وإن كنت الثاني ـ وما أبعده ـ فلاضير عليك أن تشتغل بها متدرّجا مبتدءاً بالكتاب والسنّة ، ثمّ التفسير وأصول الفقه ثمّ الفقه وهكذا ، مراعياً فيها الأهمّ والأولى ، ولاتستغرق عمرك في فنّ واحد مستقصياً فيه ، فإنّ العلم كثير والعمر قصير ، وهذه آلات فلا ينبغي فيها الخوض المنسي لما هو المقصود بالذات.
المقصد الثالث : في آداب التعلّم والتعليم
أمّا الاولى فعشرة :
أحدها : وهي الأصول طهارة النفس عن رذائل الأخلاق ، إذ العلم عبادة الباطن وصلاة السرّ فلا تصحّ مع نجاسته ، وقد تقدّم ما يكفيك.
وثانيها : تقليل علائق الدنيا والبعد عن الأهل والوطن ، إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.
وثالثها : أن لاتكبّر على العلم والمعلّم ، بل يسلم له الأمر بالكلّية تسليم المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق ، قال الله تعالى :
(
إنّ في ذلك
لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد
). (١)
أي حاضر القلب يستقبل كلّ ما ألقي إليه بحسن الاصغاء والشكر وقبول المنّة لله
تعالى ولمعلّمه ، ويبالغ في تواضعه وخدمته ، فلا يقتصر على التعلّم عند العلماء
الرؤساء المشهورين ، فإنّ العلم سبب النجاة ، المهارب من السبع الضاري لايفرّق بين
المرشد المشهور ، والخامل الغير المذكور ، والحكمة ضالّة المؤمن يغتنمها حيث يظفر
بها ، وليقلد المعلّم فيما يشير إليه من طريق التعلّم ، وليدع رأيه ، فإن خطاءه
أحسن من صوابه ، فكم من مريض محرور يعالجه الطبيب بالحرارة ليزيد في قوّته حتّى
يتحمّل صدمة العلاج فيتعجّب من لا اطّلاع له ، وقد نبّه عليه بقصّة الخضر وموسى.
وعن على عليهالسلام : « أنّ من حقّ العالم أن لا تكثر عليه في السؤال ،
__________________
١ ـ ق٣٧.