فصل
اليقين من أقوى أسباب السعادة مطلقاً ، بل في الالهيّات من أعظم أصول الايمان وأركانه وأركانه وسائر مراتبه من فروعه وأغصانه ، فهو أشرف الفضائل والكمالات والكبريت الأحمر الذي لا يظفر به الا الخلّص من ذوي السعادات ولا يصل إليه الا شرذمة نم العرفاء وقليل من كمّل الأولياء.
قال النبّي صلىاللهعليهوآله : « اليقين كلّ الايمان ». (١)
وقال : « من أقلّ ما أوتيتم اليقين وعزيمة الصبر ، ومن أوتي حظّه منهما لم يبال ما فاته من صيام النهار وقيام الليل ». (٢)
هذا ، ولليقين معنيان :
أحدهما : وهو الشائع في الاصطلاحات الاعتقاد الثابت الجازم المطابق للواقع الذي لا يتصوّر فيه شكّ ، ولا يزول بشبهة ، سواء كان بديهياً أو نظريّاً ، فخرج الجهل المركّب والبسيط والشكّ ، فإن اعتبرنا الأخير في العلم كانا مترادفين ، والا كان نوعاً منه ، وعلى هذا التفسير لايوصف بالضعف والقوّة ، إذ لاتفاوت في نفي الشكّ.
ثانيها : للعرفاء والمتصوّفة وهو ميل النفس إلى التصديق بشيء واستيلاثه على القلب بحيث يصير هو الحاكم المتصرّف فيه بالأمر والنهي والمنع والتحريض ، ولاشكّ في أنّ الناس يشتركون في القطع بالموت وعدم الشكّ فيه ، لكن أكثرهم لا يلتفتون إليه ، فكأنّهم لم يؤمنوا به وفيهم من استغرق همّه فيه بالاستعداد له ، وهو بهذا المعنى يوصف بالقوّة والضعف ، ومراتبه لايتناهى بحسب استعداد الناس للوصول إليه ، ويختلف بكلا معنييه بالقلّة والكثرة بحسب المتعلّق ، فكما يقال فلان كثير العلم بكثرة معلوماته ،
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ١ / ١٥٠ ، وفيه : « اليقين الايمان كلّه ».
٢ ـ المحجة البيضاء : ١ / ١٥١.