فصل
ومنها : العجلة ، أعني المعنى الراتب في القلب الباعث على الاقدام على الأفعال بأوّل خاطر من دون تأمّل وتدّبر ، وهي من لوازم ضعف النفس ، وقد أهلك بها الشيطان أكثر بني نوع الانسان.
قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « العجلة من الشيطان والتأنّي من الله ». (١)
والعقل يحكم بأنّ العمل لابدّ وأن يكون بعد البصيرة والتروّي الموقوفين على التأمّل والتأنّي ، وهما ضدّان للعجلة ، فمن استعجل في أمره لقيه (تلقّاه خ ل) الشرّ من حيث لايعلم ، والتجربة شاهدة بأن ما يصدر عن العجلة يورث الندامة والخسران بخلاف التأنّي وأنّ كل خفيف عجول لاوقع له في القلوب.
ثم إنك عرفت أنّ أحبّ الأشياء للعاقلة هو التشبّه بالمبدأ في صفاته بطلب الاستيلاء والملكية للأشياء من الملك العظيم الذي لاغاية له ، والسعادة الأبديّة التي لانفاد لها والبقاء الذي لافناء بعده ، والعزّ الذي لاذلّ معه ، والغنى الذي لافقر معه ، والأمن الذي لاخوف فيه ، والكمال الذي لا نقصان يعتريه ، فإنّها من صفات الربوبية والشيطان لحسده الذاتي معه ثمّ شدّة عداوته له بصيرورته طريداً لأجله أضلّة من طريق العجلة وزيّن في نظره الاستيلاء على الملك العاجل المشوب بأنواع الآلام وصدّه عن الملك الآجل المقترن بالثبات والدوام ، فانخدع بغروره واشتغل لعجلته المركوزة في جبلّته بطلب الزخارف الفانية الدنيوية عن طلب السلطنة الباقية الحقيقيّة ، والرئاسة الدائمة الأبديّة ، فهو في طلب الاستيلاء غير ملوم ، إنّما اللوم والذمّ على الخطاء الصادر عنه من قبل الشيطان في متعلّقه ووضعه إيّاه في غير موضعه الذي هو الظلم في الحقيقة بنفسه.
ولذا ورد ما من ذمّ طلب الدنيا ومدح نعيم الآخرة من الآيات
__________________
١ ـ الجامع الصغير : ١ / ١٣٤ ، مع تقدم الجملة الثانية على الاولى.