فبالموت يحصل له الخلاص عن سجن دار الغرور والفرح العظيم من الوصول إلى دار الكرامة والأمن والسرور ، فضلاً عمّا اعدّ له بعد ذلك ممّا يعجز عن إدراكه الا الواصل إليه ، كما أنّ أوّل مايلقاه محبّ الدنيا والكاره للقاء الله تعالى هو الغمّ والهمّ والحسرة والألم من مفارقة محبوبة ، والخروج عن دار الدنيا التي هي جنّته ، فضلاً عما أعدّ له بعد ذلك من الخزي والوبال والسلاسل والأغلال.
ثم علاج من قنط عن رحمة ربّه التذكّر لما ورد في ذمّه من الآيات والأخبار ، والتفكّر في أنّه تعالى يحب صنائعه وآثاره التي هو من جملتها ، فإذا أعدّ له من عظائم نعمائه وجلائل آلائه في دار المحنة والفناء ما يعجز عن أحاطته عقول العقلاء ولم تقصر عنايته الكاملة ورحمته الشاملة في صرف وجوه الاحسان إليه وصنوف النعماء ، فبأن لايسوقه إلى الهلاك المؤبّد والعذاب المخلّد في دار البقاء أحقّ وأولى ، وبأن لايقطع عنه الفيض والجود في دار الدوام والخلود أجدر وأحرى ، وأنّه تعالى خير محض لا شرّ فيه أصلاً ، وأنه لم يخلق الخلق لينتفع منهم ، بل لينفعهم ويتمّم بهم جوده وفيضه وفضله ويفيض عليهم برّه وطوله.
من نكردم خلق تا سودى كنم |
|
بلكه تا بر بندگان جودى كنم |
فلا يفعل به الا ما هو أهله من الجود والعفو والغفران.
فصل
ومنها كبر النفس ، أي استحقار ما في الدنيا من المكاره والملاذّ ، فيتساوى لديه حالتا الشدّة والرخاء والسرّاء والضرّاء ، فلا يفرح من استيفاء لذّاتها ، كما لايجزع من فقدانها.
( قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتّقى ). (١)
__________________
١ ـ النساء : ٧٧.