فصل
ومنها : علوّ الهمّة ، أي ملكة السعي في نيل المعالي وما به كمال النفس وعدم الكسل والفتور في تحصيلها وإن كان عسر الحصول محتاجاً إلى بذل مجهود ، ونيل كلفة ومشقّة ، ولا تحصل هذه الملكلة الا بكبر النفس وشدّة اليقين ، لأنك إذا نظرت إلى ملاذّ الدنيا بعين الحساسة والاحتقار واطّلعت على زوالها وفنائها وعدم وفائها بطالبيها في هذه الدار ، وعلمت أنّ نعماءها مشوبة بالذلّ والهوان ، ولذّاتها مكدّرة بالهموم والآلام والأحزان ، وعرفت أنّ اللذّة الحقيقية مقصورة في الكمالات النفسيّة ، وأنّها لاتحصل بعد حصولها الا في النشأة الاخروية وتيقّنت بأنك مالم ترفع اليد عن الاولى لم يتيسّر لك الوصول إلى الاخرى ، حصلت لك همّة عالية في الاعراض عن حطام الدنيا ، قليلها وجليها ، والشوق والاهتمام في طلب السعادة الحقيقية وتحصيلها ، ولم تبال بما يعرض عليك من شدائد الدنيا ومصائبها ولم تخف عمّا يعتريك في سلوك هذا الطريق من مكارهها ونوائبها ، بل كنت طالباً للقتل بقواطع السيوف ، راغباً في الموت باعظم الحتوف ، شائقاً للوصول إلى الملأ الأعلى والاستنارة بأنوار الحق تعالى قائلاً :
مرگ اگر مرد است گو نزد من آى |
|
تا در آغوشش در آرم تنگ تنگ |
من از او عمرى ستانم جاودان |
|
او از من دلقى ستاند رنگ رنگ |
فهذه هي الشجاعة الحقيقية والسعادة الأبدية ، فلا تظنّ أنك تقدر على تحصيل الفضائل ونيل المعالي بدون هذه السجيّة ، أو يمكنك التشمّر لتحصيلها من غير حصول هذه الملكة القويّة.
ثم الشهامة فرد منه كما علم من تفسيرها سابقاً.