معروفة وبالغدر موصوفة ، فكلّ ما فيها إلى زوال ، وهي بين أهلها دول وسجال ... بينما أهلها منها في رخاء وسرور ، فإذا هم منها في بلاء وغرور ، العيش فيها مذموم ، والرخاء فيها لايدوم ، وإنما أهلها فيها أغراض مستهدفة ترميهم بسهامها ، وتفنيهم بحمامها ... الحديث ». (١)
وقال :« إنّما مثل الدنيا كمثل الحيّة ما ألين مسّها وفي جوفها السمّ الناقع ، يحذرها الرجل العاقل ، ويهوي إليها الصبيّ الجاهل ». (٢)
والأخبار الواردة في ذمّها من الأئمّة الراشدين سلام الله عليهم أجمعين ممّا لاتحصى ، ولايليق بهذا المختصر ذكرها ، بل لايمكن ضبطها وحصرها ، وإنّ بالتأمّل في خطب نهج البلاغة وغيرها ممّا وصل إلينا من أميرالمؤمنين وقدوة المتّقين عليهالسلام في ذمّها وسرعة زوالها وخساستها وهلاكة طلاّبها لبلاغاً لقوم يعقلون. وللحكماء في الزجر عنها وجعل ذمائمها محسوسة في أعين طلابها أمثلة معروفة مشهورة ، هي في الكتب المتداولة مذكورة.
تنبيه
الباقيات الصالحات للعبد المشار إليها بقوله تعالى : ( والباقيات الصالحات خير عند ربّك ثواباً وخير أملاً ) (٣) بعد مفارقة الروح عن البدن هي صفاء القلب وحبّه تعالى والأنس به فبها تحصل اللذّة الحقيقية والابتهاج التامّ من مشاهدة جمال الحقّ.
أمّا صفاء القلب فلأنّ بالموت يرتفع الحواجب الحسّية والعلائق المادّية المانعة عنها كمنع الأجفان عن رؤية الأبصار ، فإن كانت النفس ملوّثة بكدورات الدنيا وشهواتها كانت كمرآة تراكم عليها الخبث والصدأ ، فلاتصل إلى مقام الكشف والشهود الا بعد زوالها ، فإذا كانت من شدة
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٦.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣٦٣.
٣ ـ الكهف : ٤٦.