العلى ليوفّر من الآخرة حظّهم كما يمنع الوالد المشفق ولده عن لذائذ الفواكه والاطعمة ويلزمه بالفصد والحجامة حبّاً له وإشفاقاً عليه ، ولأجله لم يرض لهم بقليل الدنيا وكثيرها.
روي أنّ روح الله اشتدّ به المطر والريح والرعد والبرق يوماً فجعل يطلب بيتاً بلجا إليه ، فرفعت خيمة من بعيد ، فأتاها فإذا فيها امرأة فما دعته ، ثم نظر فإذا بكهف في جبل فأتاه فإذا فيه أسد فوضع يده عليه وقال : إلهي جعلت لكل شيء مأوى ، ولم تجعل لي مأوى ، فأوحى الله إليه : مأواك في مستقرّ من رحمتي ... الحديث. (١)
تلخيص
قد تلخّص ممّا ذكر أنّ من الدنيا ما ليس لله صورة ومعنى كالمعاصي وغيرها ممّا لايكون لتحصيل الآخرة.
ومنها : ما صورته منها ويمكن أن يكون معناه كذلك أيضاً ، مثل ما يتوقّف عليه تحصيل الآخرة إذا قصدت به الدنيا وحظّ النفس ، ويمكن كونه لله بالاستعانة به على الآخرة.
ومنها : عكس ذلك ، كترك الشهوات والاتيان بالطاعات ، فيمكن أن يكون معناه لله بقصد التقرّب إليه ، يمكن كونه من الدنيا إذا قصد به حفظ المال والاشتهار بالزهد والعلم.
فصل
ثمّ من أفراده حبّ المال ، لكونه من الحظوظ العاجلة ، لكنّه أعظمها آفة ، لاحتياج الكلّ إليه ، فبوجوده يحصل الغرور والطغيان ، وبعدمه الفقر المؤدّي إلى الكفر في أغلب الأحيان ، وله فوائد منجية وآفات مردية ، وتمييز كلّ منها عن الآخرة مشكلة ومعرفة دقائق أخطاره معظلة ، فلفاقده غالباً
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٣٥٧ ، وفيه : « فحاد عنها » بدل « فما دعته ».