فصل
الحكمة تنقسم إلى علم وعمل.
فالعلم منها هو العلم بأعيان الموجوات ، أي تصوّر حقائقها والتصديق باحكامها وما يلحق بها على ما هي عليه في نفس الأمر بقدر الطاقة البشريّة.
والعمل منها ممارسة الحركات ومزاولة الصناعات لإخراج الكمال الاستعدادي عن القوّة إلى الفعل بقدر القوّة البشريّة.
والكلام في الأوّل موكول إلى الكتب المصنفة في الحكمة النظرية.
وأمّا العلم الذي نبحث عنهم وهو العلم بالحكمة العلملية فهو العلم بمصالح الحركات الإرادية والأفعال الصناعية التي بها تنتظم أمور المعاش والمعاد وهو على أقسام ثلاثة :
أوّلها : ما يرجع إلى كل شخص بالنفراده وهو تهذيب الأخلاق.
وثانيها : ما يرجع إلى جماعة متشاركين في المنزل وهو تدبير المنزل.
وثالثها : ما يرجع إلى كل جماعة متشاركين في المدينة أو المملكة أو الاقليم وهو العلم بسياسة المدن ،ولقد ضربنا عن الأخيرين صفحاً ، وصرفنا الهمّة نحو الأوّل ، فإنّه الأعم نفعاً.
ثم إنّ مبادىء المصالح المشار إليها إمّا طبعيّة ، أي مقتضىعقول أولي البصر وتجربيّات أرباب الفكر والنظر ، فلا نخنتلف باختلاف الأعصار وتقلّبات الأدوار ، وهي ما تقدّمت إليها الإشارة ، أو وضعيّة ، أي مقتضى اتفاق بعض الآراء ، وهي الآداب والرسوم.
فإن كانت مقتضى رأي من لا ينطق عن الهوى كالأنبياء وأئمة الهدى فهي النواميس الالهية والشرائع النبوية.