الزائد عليه فهو وإن جاء ت به الرخصة من الشريعة حتّى إنّ الشبع المذموم ليس حراماً شرعاً ، لكن لاريب في رجحان تركه بالمرّة ، وكونه بحيث يترتّب عليه فوائد جليلة ومنافع عظيمة ، والتحديد الوارد في بعض الأخبار ليس الا بباناً لأقلّ مراتب الرجحان وأدناها الذي يلحق تاليه بالمرتبة البهيمية كما قال النبي صلىاللهعليهوآله في ذلك الحديث :
« فإن كان أولابدّ ـ فاعلاً فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث للنفس ». (١)
وهذا صريح في أنّه ليس راجحاً وممدوحاً في حدّ ذاته ، بل الممدوح كذلك ما أشار إليه أوّلاً وإنما هو أدون مراتبه الذي يلحق تاليه بمرتبة البهائم ، فإنّ التكاليف تختلف بالنسبة إلى الأشخاص والأحوال ، وكذا الحال في النكاح ، وهو واضح.
فصل
الزهد من أرفع منازل الدين وأعلى مقامات الساكين ، وهو ترك العلاقتين بالدنيا والعدول عن الدنيا إلى الآخرة ، أو عن غيره تعالى وهو أعلى مراتبه المختصّ بالصدّيقين ، فلا يكون في هذه المرتبة خوف من النار أو طمع في الجنّة ، فظهر أنّ تارك الدنيا للدنيا أو لعجزه عن تحصيلها أو لخوفه من آلامها ومشاقّها أو لثقل حفظها أو تحصيلها عليه ليس زاهداً.
والآيات في مدح ترك الدنيا متكاثرة ، والأخبار متظافرة ، وقد أشرنا إلى بعضها.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : « إذا رأيتم العبد أعطي صمتاً وزهداً في الدنيا فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة ». (٢)
وقال صلىاللهعليهوآله : « من أراد أن يؤتيه الله علماً بغير تعلّم وهدى بغير هداية
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ١٤٧ مع اختلاف.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٣٥١.