من الكمالات المقتضية له فهو من نعمائه سبحانه الغير المنافية للزهد ، فإنّ جاه الرسول الله صلىاللهعليهوآله كان من أعظمه مع كونه صلىاللهعليهوآله من أزهد الخلق.
وله من غايته النجاة من عذاب الآخرة سمّي زهد الخائفين.
فإن كانت الطمع في نعيم الجنان كان زهد الراجين.
وإن كانت الرغبة في لقاء الله تعالى واستغراق الهمّ به تعالى من دون التفات إلى الخلاص من الآلام ، أو الوصول إلى اللذّات كان زهد العارفين ، فإنّ الوصول إلى هذه المرتبة العلية لايمكن الا من كمال المعرفة بصفاته الكمالية ، فإنها تستتبع المحبّة ، فكما أنّ العارف بمنافع الدرهم والدينار وكمالاتها يحصل له محبّة تامّة بهما بحسب معرفته بهما ، فكذا من عرف لذّة النظر إلى وجهه الكريم وعرف أنها لاتجتمع مع لذّة الجنان بما فيها من الحور والقصور والغلمان ولا مع الخوف من عذاب النيران ، لم يؤثر غيرها عليها ، وكانت همّته مستغرقة في الوصول إليها ، بل كان طالب نعيم الجنّة في نظر العارف المذكور كالصبيّ الجاهل المغرور الطالب لللعب بالعصفور التارك لذّة الملك لما فيه من الجهل والقصور.
تنبيه
قد نبّهناك فيما مضى على أنّ كثيراً من الفضائل تشتبه بالرذائل ، ومنها الزهد ، فإنّه قد يترك التنّعم بزخارف الدنيا ويتكلّف في الخشونة في المأكل والملبس حبّاً المحجة البيضاء : للتسمّي بالزّهد والاشتهار بين الناس به وجلباً لقلوبهم بنيل الجاه ، فهذا ترك الدنيا للدنيا وليس زهداً ، فإنّه عبارة عن ترك جميع حظوظ الدنيا لله خاصّةً كما عرفت ، وعلامته استواء جميع ما يعرضه من الأحوال لديه.
فصل
الفقر هوالاحتياج إلى الغير فيما هو فاقده ، والغناء عدمه فيما هو