الله ، [ من حاجة ] » (١) الناس مقبلون على الله وهم مقبلون على الناس » (٢) وهذا كلّه ، مختصّ بعدم الحاجة ، وأما معها فلابأس سواء بلغت أقصاها كالجائع الخائف على نفسه بالموت أو المرض أو كانت مهمّة كالجاجة إلى الكراء مع القدرة على المشي بمشقّة أو دونها أيضاً كالحاجة إلى الإدام مع وجود الخبز ، الا أن الأول راجح ، بل واجب ، والثاني مرجوح ، والثالث أشدّ كراهية بشرط الخلوّ عن الشكوى والذل ولايذاء بإظهار الحاجة تعريضاً مع الشكر لله سبحانه عند الصّديق [ والسخيّ ].
وبالجلمة : معرفة درجاتها وأوقاتها موكولة إلى العبد واجتهاده فيما بينه وبين الله تعالى فمن فمن كان يقينه أقوى وأظهر ووثوقه بمجيء رزقه من الله أتمّ وأوفر وقناعته بقوت أكثر ، فله المقام الأعلى عند الملك الأكبر.
فصل
القناعة ملكة توجب اكتفاء النفس في تحصيل المال وصرفها (صرفه ظ) على قدر الكفاف. [ الممدوح شرعاً وعقلاً ] بدون كدّ شديد وتعب ماله من مزيد وحرص مورث لطول الأمل وترك صالح العمل والخوض في غمرات وجوه تحصيل المقتنيات وصرف أنواع الحيل والتدبيرات وإيقاع النفس لتحصيلها في أنواع الأخطار والآفات وصنوف الذلّ والمهانات ، ولاريب أنها من أمّهات الفضائل ، إذ يمكن معها غالباً الفراغ لتحصيل أمور الدين والوصول إلى منازل المقرّبين.
وقد أسلفنا لك في الحرص ما يكفيك في تحصيلها والأخبار في مدحها وذمّ ضدّها أي الحرص ممّا لاتحصى.
فقد روي أنّ موسى سأل ربّه وقال : « أيّ عبادك أغنى؟ فقال : أقنعهم
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٢ / ١٠٥.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٢ / ١٠٥.