فصل
للورع معنيان :
أحدهما : الكفّ عن المعاصي بأسرها ، وهو من فضائل القوتين معاً ، ولا حاجة إلى ذكره علي حدة ، إذ بعد الاطلّاع على ذمّ كلّ معصية ومممدح تركها يعلم كونه من أعظم المنجيات والفضائل ، بل هو المقصود في علم الأخلاق بالنسبة إلى العامة.
وثانيهما : ملكة الاجتناب عن المال الحرام ، وما يمكن أن يؤدى إليه ، وهو من فضائل القوّة الشهويّة ، وهوالمقصود بالذكر هنا ، ولما كان لطبّ النفوس تأسّ بطبّ الأبدان كما أشير إليه مراراً ، فكما أنّ الطبيب يحكم على الحلو كلياً بالحرارة ، ثم يجعل للحارّ أنواعاً على درجاتها في الشدّة والضعف ، فكذا نحكم على كل حلال بالطيب ، وكلّ حرام بالخباثة ، الا أنّهما على درجات فيهما.
ولما كان حصر مراتب الحرارة من الطبيب في أربع على سبيل التقريب ، فكذا نقتدي به في حصر درجات الورع في أربع تقريباً ، لأن في أفراد كل منها تفاوتاً لاينحصر.
فنقول :
أوّل درجة ورع العدول ، أي الاجتناب عمّا ينافي العدالة ويوجب الفسق في ظاهر الشريعة ، ممّا هي مبسوطة في الكتب الفقهيّة فروعاً وشقوقاً وأدلّة ، وفيها تفاوت عظيم ، فإنّ المغصوب قهراً أغلظ من المكتسب بالمعاملة الفاسدة تراضياً ، ثم المغصوب من اليتيم قهراً أغلظ من غيره ومن الفقير أغلظ من الغني ، ومن العالم أغلظ من غيره وهكذا ، ولولا اختلاف درجات المعاصي لما كان لاختلاف دركات النيران معنى.
وثانيها : ورع الصلحاء ، أعني التوقّي عن الشبهات التي يأتي فيها الاحتمالات بحيث لايجب اجتنابها ، وسيجيء ما يجب اجتنابه منها ،