يستشكل فيه ، فإنّ قدر الحاجة لايمنع وهو غير محدود ، وإنّما يدرك تقريباً ويتعدّى منه النظر إلى سعة الدار وقيمتها وكونها في محلّ مرغوب وحصول الاكتفاء بمادونها ، وكذا الأثاث والكتب. وتعظم الحاجة إلى هذا الفن من الورع في الوصايا والأوقاف. فهذه مثارات الشبهة ولو اجتمعت على واحد كانت أغلظ ، فأوّل درجة نافعة من الورع في الآخرة هذه ، أعني ترك الشبهات بأسرها ، فإنّ الحرام المشتبه وإن حلّ في ظاهر الشرع لكن لا يرتفع عنه خاصيّة الحرمة ، كما لايرتفع أثر السكر من الخمر بحلّيتها من عدم العلم بها ، ولايخلص من إهلاك الطعام المسموم بأكله مع الجهل به.
ولذا قال صلىاللهعليهوآله : « فمن ترك الشبهات نجا من المحرّمات ، ومن أخذ بالشبهات وقع في المحرّمات ، وهلك من حيث لايعلم ». (١)
ومن خواصّه انه يورث قسوة في القلب لايبالي معها عن الحرام البينّ ولا برهان عليه أقوى من التجربة والعيان ، فإن أغلب علماء السوء إنما نشأ تهتّكهم وفساد أعمالهم من أخذ الشبهات من عطايا الحكام وجوائزهم وهدايا الرعايا المشابهة للرشى.
ولذا قال صلىاللهعليهوآله : « سيأتي علي الناس زمان يستحلّ فيه السحت بالهديّة » (٢) مع كون أموال الرعية بأسرها من جنس الشبهات لقلّة معرفتهم بالأحكام الشرعيّة ، وشدّة حرصهم في اقتنائها من دون تعمّق في وجوه حرمتها وحلّها ووصول الأيدي الخبيثة العادية إلى جلّها بل كلّها بحيث لايمكن الآن القطع بحلية الأقوات ، لكون المياه والأراضي مغصوبة ، ولا بحلية اللحوم والدسوم لكون المواشي والحيوانات منهوبة ، وهذه نار استطار شررها في البلاد ، وعمّ ضررها بين العباد ، فأكثروا بسببها من الفسق والفجور وقست قلوبهم وغرّهم بالله الغرور ، واجترؤوا على هتك ناموس
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٢٣٥ نقلاً عن الكافي (١ / ٦٨) وفيها : « ارتكب المحرّمات ».
٢ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٢٧٤.