الشريعة وسلطت أيدي الفجّار والظلمة على الرعية ، ولم يبق أحد الا وقد ابتلي بأنواع المهالك الدنيويّة والأخروية ، لأجل صعوبة المدخل الحلال الذي لايتطرّق إليه شائبة شبهة ورد في الأخبار ما ورد.
ففيها قال تعالى : « يابن آدم اجتنب ما حرّمت عليك تكن من أورع الناس ». (١)
وفيها : « من طلب الدنيا حلالاً في عفاف كان في درجة الشهداء ». (٢)
وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « من أكل الحلال أربعين يوماً نوّر الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه ». (٣)
وطلب بعض منه صلىاللهعليهوآله أن يصير مستجاب الدعوة فقال صلىاللهعليهوآله : « أطب طعمتك يستجب دعوتك ». (٤)
ولو كان المراد من الحلال هذا الذي نحكم بحلّيته ظاهراً لكان آكله مستجاب الدعوة وانفتح من قلبه ينابيع الحكمة ، ونحن مانرى في هذا الزمان منه أثراً سوى قسوة القلب والشقاوة.
فإن قلت : ما دلّت الأدلة القطعية كالسنّة والاجماع على حلية مثل عطايا الحكام وجوائزهم والهدايا التي وغير ذلك يكون حلالاً بيّناً ، فكيف تطلق عليه لفظ الشبهة مع ما ذكرت من أنّه لابدّ فيها من الشكّ ، ولاشكّ مع وجود الدليل القطعي ، كما لا يخفى.
قلت : نعم ، لكن حليتها قطعاً إنّما هي بحسب الظاهر ، لا في نفس الأمر ، فإن المال المأخوذ غصباً في نفس الأمر الغير المعلوم ظاهراً كيف نحكم بكونه حلالاً بيّناً في نفس الأمر ، كما أنه لا معنى لحلية الخمر الغير المعلوم أنّه خمر في نفس الأمر ، وإن كان بحسب الظاهر حلالاً ، فإنّ قاعدة
__________________
١ ـ الكافي : ٢ / ٧٧ ، كتاب الايمان والكفر ، باب الورع ، ح ٧.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٢ / ٢٠٣.
٣ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٢٠٤.
٤ ـ المحجة البيضاء : ٣ / ٢٠٤.