التحسين والتقبيح العقليين تستلزم إناطة الأحكام بهما ، فالقبيح بالذات كيف يصير بالشك حسناً ، وكذا العكس ، ومعنى كونه في ظاهر حلالاً أنّ الأصل عدم كون هذا الفرد الخارجي خمراً أو مغصوباً مثلاً لا أنّه مع فرض الخمريّة والغصبية حلال ، وقد بيّنا لك أنّ أثر الحرام لاينفكّ عنه بصيرورته في الظاهر حلالاً ، فقد تبيّن أنّ الاشتباه إنّما هو في كون هذا الفرد الخارجي من أفراد الحرام الواقعي أو الحلال الواقعي ، ولذا تطلق عليه الشبهة في الموضوع.
ولو كانت الحلية الظاهرية المنوطة بالظن كافية في إخراجه عن حدّ الشبهة لم يحصل مصداق للشبهة أصلاً ، فإن كلّ ما لم يتحقّق كونه حراماً فالأصل حليته في ظاهر الشريعة ، الا ما ثبتت حرمته قبل الشكّ فتستصحب ، فلايبقى وجه لتثليث الأحكام ، فافهم فإنّه من مزالق الأقدام ،
هذا مع أنّ في كثير من المواضعيشتبه على الانسان من طرف النفس الحرام المحض البيّن ، كما في أغلب ما تعارف إطلاق الهدية عليه ، فإنه بعد التأمل يعرف كونه وشوة محرّمة ، وإنّما هو تلبيس من الشيطان وانخداع من النفس ينكشف بعد سلب الأغراض الشهوية ، فإنّ باذل المال لايبذل ماله الا لغرض إما الثواب في الآجل أو جزاء في العاجل إما بتوقّع مال أو إعانة في فعل معيّن ، أو تقرّب إلى قلب المهدى إليه بطلب محبّة إما للمحبّة في عينها أو للتوصّل بها إلى عوض ورائها ، وكلّ ذلك على درجات يحرم الأخذ في أكثرها ، ويتشكل الأمر في القليل منها ويحل في الأقلّ ، فلابدّ من التفصيل في ذلك.
فنقول : أمّا الثواب في الآخرة فإنّما يتصوّر بأن يكون المصروف إليه محتاجاً أو عالماً أو منتسباً بنسب ديني أو صالحاً متديّناً.
والأوّل لايحلّ له الأخذ الا مع علمه باتّصافه به.
وكذا الثاني ، الا أن يكون في العلم على الحدّ المعلوم للمعطي من