إلا حقّاً ». (١)
وكان أميرالمؤمنين عليهالسلام مزّاحاً حتّى عابوه به وقالوا : لولا دعابة فيه لكان أولى الناس بالخلافة. (٢)
وقال له سلمان لما مازحه : هذا الذي أخرّك إلى الرابعة.
لكن الوقوف على حدّ الاعتدال كما قيل صعب ، وكم من دعابة خفيّة (٣) شاهدناه من بعض الظرفاء ازدادت تدريجاً إلى أن أورثت وحشة وبغضاء ، فيجب الاحتياط في رعاية القصد ومع العجز الترك بالكلّية.
فصل
قيل : إنّ المراء خصومة تحدث عن رعاية المصلحة الجزئية وشدّة تعلّق النفس بالمنافع البدنيّة والسعادات الخارجية ، فإنّه إذا كثر شعف النفس بالملاذّ الحسّية لم تجذب الا ما يخصّها من النفع ولم تخصّ الا ما يضرّها بالدفع ولم تبال مع حصول النفع له بما يحصل للغير من الضرر ، وهذا من قصور النظر وعدم إدراك المطالب الكلية والمنافع العامّة حتى تجلو به الغمّة وتعلو به الهمّة ، فلو أدركت قاعدة التوحيد زال عنها عشق الشيء المخصوص ، بل وجد نفعه في نفع الغير وضرّه في ضرّ الغير ، ومنشأ ظهور التوحيد في النفس النظر الكلّي العقلي ، كما أنّ مبدأ الكثرة النظر الجزئي الحسيّ.
وصاحب المراء أخسّ الناس رتبة ، أدونهم منزلة ، إذ به يبطل الألفة التي ابتنى عليها نظام العالم ، وهي أثر الوحدة التي بها قوام نوع بني آدم.
وأمّا الجدال فربّما كان له اختصاص اصطلاحيّ بالمسائل الاعتقاديّة وتقرير أدلّتها ، ويقرب منه المناظرة ، أو هي أعمّ ، وقد لايكون بقصد الأذى
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٢٣٢.
٢ ـ راجع البحار : ٤١ / ١٤٧.
٣ ـ كذا ، والظاهر ، خفيفة.