فتيقّظ يا حبيبي منرقاد الغفلة ولاتظنّن بعلام الغيوب أن تخفى عليه خافية من خفايا القلوب ، فإذا لم يقبل في أدنى عبادة ظاهرة منك الا ما كان خالصاً لوجهه الكريم ، فكيف يقبل من علمك الذي هو أشرف الطاعات والعبادات وبه يصل العبد إلى أفضل السعادات مالا أثر فيه من ابتغاء وجهه الأعلى ، وكان غاية همّك فيه الوصول إلى قليل من متاع الدنيا.
فصل
الكذب هو الخبر الغير للواقع. فإن كان باعثه الحسد والعداوة كان من رذائل الغضبية ، وإن كان حبّ المال والطمع أو الاعتياد عليه من الاختلاط مع الكذّابين كان من رذائل الشهوية.
وقد يطلق على النبية الغير الخالصة لله تعالى ومرجعه إلى الرياء ، وسيأتي حكمه إن شاء الله ، وعلى العزم الغير الثابت المشوب بالضعف والتردّد ، فيقال : إنّه كذب في العزيمة ، وقد يعزم وقد يعزم على فعل لعدم مشقّة فيه ، ثمّ إذا حصل التمكّن وهاجت الشهوات انحلّت العزيمة فيقال : إنّه كذب في الوفاء بها ، ولعلّهما من رذائل الشهويّة.
وقد يستعمل في الأفعال إذا دلّ ظاهرها على ما يخالف الباطن ، ويمتاز حينئذ عن الرياء باعتبار عدم الخلوص لله فيه دونه ، إذ ربّ واقف على هيأته خاضع لله في صلاته لاينوي بها غيره تعالى ، بحيث يدلّ على إقباله بشراشره إليه تعالى مع ذهول قلبه عنه تعالى وتوجّهه إلى أمور الدنيا ، وماش على هيئة الوقار بحيث يجزم من يشاهده باتّصافه به مع خلّوه عنه فهو كاذب في عمله ، وليس مرائياً لعدم التفاته في غاية فعله إلى الغير ، وهذا ينبعث في كلّ من الثلاثة.
ثم إنّ للفضائل النفسية مباديء وحقائق ولوازم وغايات ، فمن نالها بأسرها كان صادقاً محقّقاً فيها ، والا فكاذب ، فالخوف منه تعالى له مبدء هو