فصل
الغرور انخداع النفس بميلها [ ما يوافق ] (١) الهوى بسبب شبهة فاسدة تزيّنت لها.
وقد قيل : إنّه مركبّ من الاعتقاد المخالف للواقع وحبّ مقتضيات الشهوة والغضب كالواعظ الذي يقصد بوعظه طلب الجاه حيث يعتقد أنّه يستحقّ به الثواب مع رغبته إليه فيكون من رذائل العاقلة (٢) وإحدى القوتين الاخريين. (٣)
وفيه نظر ، فإنّ الواعظ المزبور قد أغفلته نفسه عن كون فعله مضراً له لقصده المنزلة فيه ، ولبّست عليه الأمر فزيّنت في نظره أنّه لكونه سبباً لهداية الناس يستحقّ به الأجر والثواب فهو وإن كان صادقاً في ذلك الا أنّه مخطىء في خصوص ما اعتقده موجباً للثواب من فعله لغفلته عن حبّ الجاه المستكنّ في قلبه ، فهذا الاعتقاد الفاسد الصادر عن الغفلة يسمّى غروراً وما استكنّ في قلبه من الحبّ المذكور لادخل له في حقيقة الغرور.
والحاصل الغرور اعتقاد كون ما قصد به الجاه موجباً للثواب دون المركب منه ومن حبّه له ، والحقّ انّه راجع إلى الجهل المركّب فيكون من رذائل القوّة العاقلة خاصّة ، وهذه الخصلة من أمّهات الخبائث ، ولذا ورد النهي الشديد عنه.
قال الله تعالى : ( فلا تغرّنكم الحيوة الدنيا ولا يغرنّكم بالله الغرور ). (٤)
وسميّت الدنيا دار غرور لتلبيسها الأمر على أبنائها وإغفالها إيّاهم عن مضارّها وعن فعل ما فيه خيرهم وصلاحهم.
__________________
١ ـ ساقط من « ج ».
٢ ـ في « ج » : « الغضبيّة » بدل « العاقلة ».
٣ ـ جامع السعادات : ٣ / ٤.
٤ ـ لقمان : ٣٣.