أنّ جلاً زال عن خلقه فلا تصدّقوه ، فإنّه سيعود إلى ما جبل عليه ». (١)
وفيه أنّ توابع المزاج من المقتضيات الممكنة زوالها لا من اللوازم ، لكون النفوس متفّقة الحقيقة ، وخلوّها في بدو الفطرة عن جميع الأخلاق والأحوال كما هو شأن العقل الهيولاني ، فهي كصحائف خالية عن النقوش وما يحصل منها إمّا من مقتضيات العادة بالاختيار والرويّة ، أو استعداد الأمزجة ، والمقتضى ممكن الزوال ، كالبرودة للماء ، ولا يمتنع انفكاله كالزوجيّة للأربعة ، والخبران بعد ثبوتهما لا دلالة لهما أصلاً.
وقيل ليست طبيعيّة ولا منافية للطبيعة ، بل هي خالية في بدو الفطرة عن جميعها ، فما يوافق مزاجه يسهل تصييرها ملكة بالممارسة والاعتياد ، وما يخالفه يصعب تحصيله فيحتاج إلى تكلّف.
ويظهر وجهه ممّا ذكرناه.
وربما يقرّر الحجّة هكذا : الأخلاق قابلة للتغيير ، وكلّ ما كان كذلك فليس طبيعيّاً والكبرى ضروريّة ، والصغرى وجدانيّة لما نجد من صيرورة الخيّر شريراً بمصاحبته وبالعكس ، وتأثير التأديب والتعليم في زوالها ولولاه لم يكن للفكر فائدة ، وبطلت السياسات.
ويؤيّده ورود الأمر به في الآيات والأخبار.
قال تعالى : ( قد أفلح من زكّيها ). (٢)
وقال صلىاللهعليهوآله : « بعثت لأتّمم مكارم الأخلاق ». (٣)
وقال صلىاللهعليهوآله : « حسّنوا أخلاقكم ». (٤)
وردّ بمنع الكلّية لما نشاهد من عدم قبول بعضها للتغيير سيّما ما يتعلّق بالقوّة النظريّة كالحدس والتحفّظ وجودة الذهن ومقابلاتها ، ويكفي فبول
__________________
١ ـ جامع السعادات : ١ / ٢٤.
٢ ـ الشمس : ٩.
٣ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٨٩.
٤ ـ المحجة البيضاء : ٥ / ٩٩.