وممّا ذكر يظهر علاجه العلمي مضافاً إلى التذكّر لما ورد في مدح ضدّه من الآيات والأخبار ، ودلّ عليه الاعتبار ممّا سيذكر إن شاء الله تعالى ، والعلمي تقديم التروّي في كلّ فعل يريده حتّى يتفطّن بمفاسده فيسهل عليه تركه أو بمحاسنه وفوائده حتى يسهل عليه فعله إلى أن يصير ملكة.
فصل
الحزن ألم نفساني يعرض من فوت مطلوب أو فقد محبوب أو الخوف من مكروه ، وعدّه بعض المحقّقين من رذائل الشهوة من طرف التفريط. وفيه نظر ، فإنّ الباعث عليه إن كان شدّة الشوق إلى المشتهيات فيحزن لفقدها أو فوتها كان من رذائل الشهوة لكن كونه من جانب التفريط ممنوع ، بل هو من تنائج الشره. وإن كان باعثه الميل إلى مقتضيات الغضب فيحزن على فوت ما يميل إليه قلبه من الاستيلاء والغلبة على الخصم أو الانتقام أو الكبر أو التعزّز أو غيرها كان من رذائل الغضب. وإن بني الأمر على ترتّبه على صغر النفس وضعفها كان الأوّل أيضاً منها من جانب التفريط وتعميم المعروض بالنسبة إلى الخوف مع عدم ذكر القوم له ، لأنّه قد يكون حزنه من حصول أمر يتوقّع فيه أثر السوء ، فمن حيث حصول تشويش الخاطر والاضطراب بذلك يسمّى خوفاً ، ومن حيث حصول الهمّ والغمّ له والتضجّر والتألّم يسمّى حزناً وإن كان هذا متفرّعاً على ذلك ، على أنّ الخوف إنّما يستعمل فيما يحتمل العدم ، والحزن أعم ، إذ يشمل ما يتيقّن كالذي يأكل ولده السمّ المهلك.
ومن جملة هذا القسم من الحزن كلّ حزن يترتّب على الخوف الممدوح ، إذ لايمكن حصول الخوف بدون الحزن ولو لم يعمّم بما ذكرناه شمله أيضاً فإنّ محبوب أهل الدنيا ومطلوبهم شهواتها ، ومحبوب أهل الآخرة ومطلوبهم لذّاتهامن لقاء الله والاعتزال عن أبناء الدنيا وعدم مشاهدة