بعضها له لصحّة السياسات والأوامر المذكورة وتحقّق فائدة البعثة ، كما أنّ صحّة علم الطب لاتنافي عدم قبول بعض الأمراض للعلاج.
والجواب : أنّ عدم القبول في البعض على سبيل الامتناع كما هو شأن الطبيعي ممنوع ، غاية ما هناك كون بعضها عسرة الحصول صعبة القبول على مقتضى الأمزجة ، والمقتضى ليس من اللوازم كما ذكرنا.
وقيل : يكون بعضها طبيعية وبعضها عادية ، ويظهر وجهه مما ذكر مع جوابه. فخير الأقوال أوسطها. قال المعلّم الأوّل : يمكن صيرورة الأشرار أخياراً بالتأديب.
فصل
المراد من تهذيب الأخلاق تعديلها إلى الوسط من الإفراط والتفريط ، وردّ كلّ قوّة إلى كمالها ، وهو المراد من التغيير لا إماطة القوّة رأساً ، لأنّ لكلّ من القوى فائدة ضروريّة خلقت لأجلها ، وهي بمنزلة الآلة لما هو مقصود لذاته ، ولولاها لضاع المقصود الأصلي ، فتعديل القوّة الغضبية خلوّ النفس عن الجبن والتهوّر ، وكونها بحيث يحصل منه (١)الغضب المحمود شرعاً وعقلاً ، ولا يحصل المذموم كذلك ، وكذا الشهوة ، ولا ريب في إمكانه ، فكما أن النواة يمكن صيرورتها بالتربية نخلاً لوجود قوة النخليّة فيها وتوقّف فعليّتها على التربية التي هي بيد الإنسان ، فكذا تعديل قوّتي الشهوة والغضب بالمجاهدة ممكن ، وإن لم يمكن رفعها بالكلّية.
ثم أنّه تختلف مراتب التأديب والسياسة باختلاف الاشخاص في الأمزجة ورسوخ العادة ، والأسهل قبولاً لها الأطفال ، لخلوّ نفوسهم عن الأضداد المانعة ، فيجب على أوليائهم تأديبهم بالآداب الحسنة ، وزجرهم عن الأفعال الذميمة ، حتّى تعتاد نفوسهم بذلك ، والمؤدّب الأوّل هو الناموس الإلهي ، والثاني أرباب المعارف الحقّة الراسخون في العلم ،
__________________
١ ـ كذا ، والظاهر : منها.