ما هو كمال لها من الاتّصال بعالم الملكوت ، والتشبّه بالملائكة المقدّسين ، والأوليان تبعثانها على ملازمة المآلك والملابس والمناكح والمشارب وفعل الأذيّات ودفع المضارّ والإقدام على الأهوال وشوق التسلّط على الناس.
وأمّا القوى المدركة الحيوانيّة فيمن شأنها الإدراكات الجزئيّة ، وليس من شأنها التحريك والبعث بالارادة ، فهي كالجنود لهذه الثلاث تعرض ماتدركه عليها ، فإن كان الحكم للعاقلة أخذ (١) من مدركاتها مايلائمها وترك ما ينافرها ، وكذا الاخريان.
وفائدة الشهويّة بقاء البدن الذي هو آلة لكمال القوّة العقليّة.
وفائدة الغضبيّة كسر سورة الشهويّة ، فإنها لتمرّدها لاتطيع العاقلة بسهولة ، بخلاف الغضبيّة ، فإنها تتأدب وتطيع بيسر.
قال افلاطون في الغضبية : هي بمنزلة الذهب في اللين والانعطاف ، وفي البهيميّة : هي بمنزلة الحديد في الكثافة والامتناع.
فمن صعب عليه تسخير الشهويّة فليستعن فيه بالغضبيّة ، وليجتهد ولاييأس من روح الله ، فإنّه تعالى وعد المجاهدين في سبيله بالهداية ، فإن طاوعت الشهوية والغضبية العاقلة اتّحدت الثلاثة ، وحصل الأثر المطلوب من كل منها في وقته ، وتحقّق الكمال المطلوب منها برأسه ، بحيث يتخيّل أنّ المؤثّر واحد بلا ضدّ منازع ، ولا جله قيل انّها قوى ثلاثة لنفس واحدة.
وهي المعبّر عنها حينئذ بالمطمئنّة لسكونها تحت حكم العاقلة ، وحينئذ صلحت النفس وقواها ، و ( قد افلح من زكّيها ) (٢) وإن لم تفوّضا إليها الأمر ولم تطاوعاها وقعت المخالفة بينها ، فكلّما صارت العاقلة مغلوبة عنهما بارتكاب المعاصي حصل للنفس لوم وندامة ، وهي المعبّر عنها حينئذ باللوّامة ، إلى أن تصير مغلوبة عنهما بالمرّة مذعنة لهما من دون دفاع
__________________
١ ـ كذا ، والظاهر أخذت وتركت.
٢ ـ الشمس : ٩.