فقال : « لم أر أنيساً أسلم من الوحدة ، وأوعظ من القبر ، ولا جليساً أمتع من الدفتر » (١) ، وبعضهم ملازماً للأشجار قائلاً « : إنّ فيها ثلاث خصال : إن سمع لم ينمّ وإن تفلت في وجهه احتمل ، وإن عربدت معه لم يغضب » (٢) ، ولايخلو الانسان في دينه وأفعاله ودنياه وأخلاقه من عورات يكون الأحسن بحاله سترها ولايمكن بالمخالطة.
ومنها : انقطاع الطمع عنه ، فإن رضى الناس غاية لاتدرك وتعميم الناس بجميع الحقوق متعسّر ، بل متعذّر ، والأشغال والأعذار كثيرة لايمكن إظهارها لكل أحد ، والتخصيص مورث للوحشة والبغضاء ، فإذا عمّمهم بالحرمان رضوا عنه ، وفي عكسه أيضاً فائدة جزيلة ، فإن من شاهد أهل الدنيا ومامتّعوا به من زهرتها ونعيمها فإما أن يقوى دينه ويقينه للصبر ففيه تجرّع لمرارته الذي هو أمرّ من الصبر ، أو تنبعث رغبته إلى الدنيا فيحتال في طلبها فيهلك مؤبّداً.
أمّا في الدنيا فبالخيبة عمّا يطمعه غالباً والوقوع في الأخطار والآفات والمهانة والاذلال بذلك.
وأمّا في الآخرة فبايثاره متاع الدنيا على الآخرة ولذا قيل :
إذا كان باب الذلّ من جانب الغنا |
|
سموت إلى العلياء من جانب الفقر |
ومنها : الخلاص عن مشاهدة الحمقى ومقاساة أخلاقهم ، فإنّ رؤية الثقيل هو العمى الأصغر ، وقال جالينوس : حمّى الروح مشاهة الثقلاء.
وأغلب هذه الفوائد وإن تعلّقت بالدنيا الا أنّها ربّما تؤدّي إلى الدين أيضاً ، فإنّ رؤية الثقيل يستلزم غيبته غالباً ، والاستنكار لصنع الله وغير ذلك.
ومن فوائد المخالطة التعلّم والتعليم وهما من أعظم العبادات كما أشير
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٤ / ٢٢.
٢ ـ المحجة البيضاء : ٤ / ٢٢.