وتجاذب ، فتؤدّي إلى انحلال الآلة وهلاك النفس وقوامها ( وقد خاب من دسّيها ) (١) ، وهي المعبّر عنها بالامّارة.
وحينئذ يصير الرئيس مرؤوساً ، والملك مملوكاً ، وهذا هو الظلم العظيم ، بل الكفر بالله الكريم ، وتعطيل نعمه وأياديه ، ووضع الشيء فيما لا يقتضيه. أعاذنا الله من نقمه بمنّه وجوده وكرمه.
فصل
قد أشرنا إلى أنّ النفوس في بدوا الخلقة خالية عن جميع الأخلاق الا أنّها مستعدّة لها وبتوسّط القوى تكتسبها وترتسم بالصور والأعمال إلى أن تتقوّم بها وتصل إلى ما هو المقصود منها ، ولمّا كانت القوى متخالفة في البعث والتحريك فما لما يغلب أحدها لم تدخل النفس في العالم الذي يخصّها فتدخل مع غلبة العاقلة في الملائكة ، والشهويّة في البهائم ، والغضبيّة في السباع.
واعلم أنّ هذا النزاع إنّما هو بين العاقلة والاخريين ، فإنّ نفوس الحيوانات لفقدان العاقلة يفها ليس فيها تنازع ، والملائكة لفقدان الاخريين في نفوسهم ليس فيها تدافع ، فالجامع لعوامل الكل المخصوص بالصفات المتقابلة هو الإنسان ، ولذا صار أشرف المخلوقات لاحاطته بجميع المراتب المتباينة وسيره في جميع المدارج المتخالفة من الجمادية والنباتية والحيوانية ولملكية ، ثم التجاوز إلى مرتبة الفناء المحض والوحدة الصرفة.
قال أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّ الله سبحانه خصّ الملك بالعقل دون الشهوة والغضب ، وخصّ الحيوانات بهما دونه ، وشرّف الإنسان بإعطاء الجميع ، فإن انقاد شهوته وغضبه لعقله صار أفضل من الملائكة لوصوله إلى هذه
__________________
١ ـ الشمس : ١٠.