وليس في الوجودات الخارجية من لم يسبقه قوّتاه الشهويّة والغضبية على العقلية فكانت الأوبة عن مقتضياتهما إلى مقتضياته التي هي حقيقة التوبة ضرورية وحكماً أزليّاً مكتوباً على كلّ البرية. سنّة الله التي قد خلت في عباده ، ولن لسنّة الله تبديلاً.
وحينئذ فعلى الكافر التوبة عن كفره ، وعلى التابع في إسلامه لأبويه غافلاً عن حقيقته ، التوبة عن غفلته ، وعلى من فهم ذلك واسترسل وراء الشهوات التوبة عنها بالكفّ عن المقتضيات ومراعاة حدود الله فيها وفي الطاعات.
واعلم أنّك لا تخلو أبداً عن معصيته في جوارحك ، ولو فرض فلا تخلو عن رذائل نفسك والهمّ بها ، وإن سلمت فلا أقلّ من الخواطر المتفرّقة المذهلة عن ذكر الله ، ولو سلمت فلا أقلّ من غفلة وقصور في معرفة الله وصفات جماله وجلاله وعجائب صنعه وأفعاله ، وكلّ ذلك نقص يجب الرجوع عنه ، ولذا تجب التوبة في كلّ حال. حتّى قال أشرف الخلق صلىاللهعليهوآله : « وإنّه ليغان على قلبي حتّى أستغفر الله في اليوم واليلة سبعين مرّة ». (١)
ولا ينافي إطلاق القول بالوجوب ، إذ لايراد منه الشرعي الذي يشترك فيه كافّة الخلق لاختصاصه بالمحرّمات وترك الواجبات الواردة في ظاهر الشريعة ، ممّا لو اشتغلوا به لم يخرب العالم والا لاختلّ النظام وفسدت المعائش ، بل بطلت التقوى أيضاً ، بل المراد منه الشرطي أي ما لابدّ منه للوصول إلى المطلوب والقرب إلى المحبوب ، ولايكفي فيه الأوّل لكونه بمنزلة أصل الحياة والباقي بمنزلة الجوارح والآلات كما أشرنا إليه ، وفيه كان اهتمام الأنبياء والأولياء والأمثل من العلماء ، ولأجله رفضوا الدنيا وأهلها ، ولو تفكّرت في احوالهم وتدبّرت في آثارهم وصرفت الهمّة في فهم أخبارهم عرفت أنّ التوبة لازمة في كلّ نفس للسالك البصير ولو عمرّ
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ١٧.