التوحيد انتظر له الخلاص من النار ولو بعد حين ، ولا يستحيل شمول العفو له بسبب خفيّ لايطلع عليه كما لايستحيل أن يدخل الانسان خراباً ليجد فيه كنزاً فيجده أو يجلس في البيت ليجعله الله عالماً بالعلوم من غير تعلّم كما للأنبياء عليهمالسلام ، فطلب المغفرة بالطاعة كطلب العلم بالجهد والتكرار والمال بالتجارة وركوب البحار وإن لم يكن كل طالب واصلاً إلى مطلوبه ، وطلبه بالرجاء دون عمل كطلب الكنز من المواضع الخربة ، فإن كان المضيّع نفسه وعياله منتظراً الكنز يجده في بيته مغروراً أحمق عند ذوي البصائر وإن لم يكن مستحيلاً بالنظر إلى قدرة القادر ، فكذا الراجي للمغفرة من دون عمل ، فالناس محرومون الا العالمون ، وهم كذلك الا العاملون ، وهم كذلك الا المخلصون ، وهم على خطر عظيم.
تنبيه
لايمنع العاصي من التوبة بها عدم وثوقه بها فيقول لافائدة فيها ، فإنّه غرور من الشيطان ، فلعلّه يموت تائباً قبل العود إلى الذنب وليتدارك الخوف بتجريد القصد وصدق العزم ، فإن وفي به نال مطلبه والا غفرت له ذنوبه السابقة ، ولم يكن عليه الا الحادث ، ثم إن لم يساعده النفس على العزم على الترك فلا يترك الاشتغال بحسنة تضادها وتكفّرها حتى يكون ممّن خلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً وهي بالقلب بالندم والتذلّل والتضرّع وإضمار الخير للمسلمين والعزم على الطاعات ، وباللسان بالاعتراف بالظلم والاستغفار وبالجوارح بالطاعات والصدقات ، ولايمنعه عن الاستغفار عدم حلّه لعقدة الإصرار لما في الخبر : « إنّ المستغفر من الذنوب مع إصراره عليها كالمستهزىء بآيات الله ». (١)
فإنّ الأخبار في فضله كثيرة ، والكذب والاستهزاء إنّما يتمّان مع عدم تأثّر القلب به ، ومشاركته له بالغفلة عنه فيكون مجرّد تحريك لسان.
__________________
١ ـ المحجة البيضاء : ٧ / ٨٥ ـ ٨٦ مع اختلاف.