( اليوم تجزى كلّ نفس بما كسبت لاظلم اليوم ). (١)
فيطالبون بمثقال ذرّة من الخطرات ، ولاينجيهم منه الا المحاسبة وصدق المراقبة ومطالبة النفس في الأنفاس والحركات واللحظات والحركات ، ولذا أمرهم بالصبر والمرابطة ، فرابطوا أنفسهم أوّلاً بالمشارطة ثم بالمراقبة ثم بالمحاسبة ثم بالمعاقبة ثم بالمجاهدة ثم بالمعاتبة ، فلابدّ من شرح هذه المقامات التة :
أمّا المشارطة: فكما أنّ التاجر يستعين بشريكه ويسلّم إليه مالاً للتجارة ثم يحاسبه ، فكذا العقل تاجر في طريق الآخرة وربحه فلاح النفس ، وفلاحها بالأعمال الصالحة ، والعقل يستعين بها في التجارة ، وكما أنّ التاجر يشارطه النفس أولاً فيوظّف عليها الوظائف ويشترط عليها ويرشدها إلى ما فيه صلاحها ، ويجزم عليها ، ثم لا يغفل عن مراقبتها لحظة فإنّها لو أهملها لم ير منها الا الخيانة والتضييع ، ثم بعد الفراغ يحاسبها ويطالبها بالوفاء بما شرط ، فهذه تجارتها وربحها الفردوس الأعلى وهو أحسن الأرباح لكونه باقياً لايفنى ، وسائرها فانية لاتبقى ، ولاخير في خير فإن ، بل الشرّ الفاني أهون منه ، فإنّه إذا انقطع بقي الفرح بانقطاعه دائماً ، وقدً انقضى ، والثاني يبقى أسفه على انقطاعه دائماً.
أشدّ الغم عندي في سرور |
|
تيقّن عنه صاحبه انتقالاً |
فكلّ نفس جوهر نفيس لاعوض له ممكن أن يشترى به كنز لايتناهى نعيمه أبداً ، فتضييعه أو صرفه إلى ما يؤدّي إلى الهلاك خسران عظيم لا تسمح به نفس عاقل ، فإذا أصبح العبد وفرغ من فريضته فرّغ قلبه لمشارطة النفس وقال لها : « مالي بضاعة الا العمر وبفنائه يفنى رأس المال ، فلا يمكن الربح وهذا يوم جديد ، أمهلني الله فيه وأنعم به عليّ ، ولو متّ تمنّيت أن
__________________
١ ـ غافر : ١٧.