الدين المعرضين عن الدنيا.
ثم ينظر عند الشروع في العمل بتفقّد كيفيّته ليقضي حقّ الله فيه ويحسن النيّة في إتمامه (١) ويكمل صورته ، وهذا ملازم له في جميع الحالات ، إذ لايخلو عن حركة وسكون ، فإذا راقب الله فيها قدر على عبادته تعالى بالنيّة ومراعاة الأدب وحسن الفعل فلايخلو العبد عن طاعة أو مباح أو معصية ، فمراقبته في الطاعة بالاخلاص والاكمال ومراعاة الآداب وحراستها عن الآفات ، وفي المباح بمراعاة الأدب وشهود المنعم في النعمة والشكر عليها وفي المعصية بالتوبة والندم والحياء والتدارك لما فات ، ولايخلو أيضاً عن مصيبة لابدّ له من الصبر عليها أو نعمة لابدّ له من الشكر عليها ، بل لاينفكّ عن فرض في الفعل أو الترك أو ندب يسارع به إلى المغفرة أو مباح فيه صلاح جسمه وقلبه والعون على طاعته تعالى ، ولكلّ من ذلك حدود لابدّ من مراعاتها بدوام المراقبة. ( ومن يتعدّ حدود الله فقد ظلم نفسه ). (٢)
والساعات ثلاثة : ساعة فاتت لاتعب على العبد فيها كيف ما انقضت في تعب أو راحة ، ومستقبلة لايدري العبد يعيش إليها أم لا ، وما يقضي الله فيها ، وحاضرة ينبغي أن يجاهد فيها نفسه ويراقب ربّه ، فإن لم تأته الساعة المستقبلة لم يتحسرّ على فوت هذه الساعة ، وإن أتته استوفى حقّها أيضاً ، ولا يطول أمله بل يكون من وقته (٣) كأنّه آخر أنفاسه ، فلعلّه كذلك وهو لايدري ، فيكون على وجه لايكره أن يدركه الموت على تلك الحالة ، ويكون له كما قبل أربع ساعات : ساعة يناجي فيها ربّه ، وساعة يحاسب فيها نفسه ، وساعة يتفكّر في صنع الله ، وساعة يخلو فيها للطعام والشراب (٤) ،
__________________
١ ـ كما في المحجّة البيضاء (٨ / ١٦٢) وفي النسخ : إيمانه.
٢ ـ الطلاق : ١.
٣ ـ في المحجّة البيضاء (٨ / ١٦٣) : بل يكون ابن وقته.
٤ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ١٦٤ مرسلاً.