الأمّارة ، فليحاسبها على الفرائض ، فإن أدّاها على وجهها شكر الله عليه ورغّبها إلى مثلها ، وإن فوّتها من أصلها طالبها بالقضاء ، وإن أدّاها ناقصة جبر نقصها بالنوافل ، وإن عصى عاقبها وعذّبها حتّى يتدارك لما فرط ، وكما يفتّش التاجر عن الحبّة والقيراط في حساب الدنيا حتّى لايغبن في شيء منها فكذا هذا ، بل أشدّ فإنّ النفس خدّاعة ملبّسة فليتكفّل بنفسه من الحساب ما سوف يتولّاه غيره عن تكلّماته ونظراته وخطراته وقيامه وقعوده وجملة أفعاله حتّى عن سكونه وسكوته لم سكت.
ثم النفس غريم يمكن الاستيفاء منها بالغرامة والضمان في بعضها وردّ عينها في بعض آخر ، وتعذيبها في آخر ، ولايمكن تفصيل ذلك الا بتحقيق الحساب ، وتمييز الباقي من الحقّ الواجب عليه ، فإذا حصل ذلك اشتغل بعده بالاستيفاء والمطالبة.
وينبغي أن يحاسب على جميع العمر يوماً فيوماً وساعة ساعة ، في كل عضو ظاهر وباطن ، فلو رمى العبد بكلّ معصيته حجراً في داره امتلأت داره في مدّة قريبة ، ولكنه يساهل في حفظه والملكان يحفظان عليه ، أحصاه الله ونسوه.
وأمّا المعاقبة على تقصيرها مهما حاسب نفسه فإنّه لايسلم عن مقارفة معصية وارتكاب تقصير في حقّ الله ، فلا ينبغي له إهمالها والا سهلت عليه مقارفة المعاصي ، فأنست به نفسه وصار ذلك سبباً لهلاكها ، بل ينبغي أن يعاقبها ، فإن أكل لقمة بشهوة عاقب بطنه بالجوع ، وكذلك يمنع كلّ طرف من أطرافه عن شهواتها كما كانت عادة الأكابر السسلف في سلوك طريق الآخرة.
فقد روي أنّه كان في بني إسرائيل رجل يتعبّد في صومعته فمكث زماناً طويلاً فأشرف من صومعته يوماً فنظر إلى امرأة فافتتن بها فأخرج رجله بالنزول إليها فأدركه الله بلطفه فرجعت إليه نفسه وعصمه الله تعالى وندم ،