فلمّا أراد أن يعيد رجله إلى الصومعة قال : هيهات! رجل خرجت تريد المعصية تعود معي في صومعتي لايكن والله أبداً ، فتركها معلّقة من الصومعة تصيبها الأمطار الرياح والثلج والشمس حتّى تقطّعت ، فسمّي ذاالرجل ، فشكر الله له ذلك وأنزل في بعض الكتب ذكره (١). والحكايات في هذا الباب كثيرة.
والعجب أنّك تعاقب عبدك وأمتك وأهلك وولدك على تقصير صدر من أحدهم لأنّك تخاف أن يخرج أمرك عن الاختيار لو داريتهم ويبغوا عليك ، ثم تهمل نفسك مع كونها أعظم عداوة وأشدّ طغياناً عليك وضررك من طغيانها أشدّ من ضررك منهم ، إذ غايته تشويش عيش الدنيا والعيش عيش الآخرة ، والنفس هي التي تخلّصه لك.
وأمّا المجاهدة ، فإنّ النفس إذا قارفت معصية عاقبها بما تقدّم ، وإن توانت بحكم الكسل في شيء من الطاعات والفضائل والأوراد أدّبها بتثقيل الأوراد عليها وإلزامها فنوناً من الوظائف جبراً لما فات ، كما نقل عن جملة من الأكابر حين كسلوا في ورد ونحوه عاقبوا النفس بصوم أو حجّ أو صلاة مرابطة للنفس ومؤاخذة لها بما فيه نجاتها ، وإن لم تطعك فعالجها بإسماعها ما ورد في فضيلة الاجتهاد.
قال الصادق عليهالسلام : « طوبى لعبد جاهد نفسه وهواه ، ومن هزم جند هواه ظفر برضا الله ، ومن جاوز عقله نفسه الأمّارة بالسوء بالجهد والاستكانة والخضوع على بساط خدمة الله فقد فاز فوزاً عظيماً ».
ولا حجاب أظلم وأوحش بين العبد وبين الله تعالى من النفس والهوى ، وليس لقتلهما وقطعهما سلاح مثل الافتقار إلى الله والخشوع والجوع والظمأ بالنهار والسهر بالليل ، فإن مات صاحبه مات شهيداً ، وإن عاش استقام أدّاه عاقبته إلى الرضوان الأكبر. [ قال الله تعالى : ]
__________________
١ ـ إحياء العلوم : ٤ / ٤٠٦.