عرفت الغضب في وجهي قالت : لاتعجل عليّ يامولاي! أجلستني في موضع لم أرفيه ذاكراً لله تعالى فخفت أن يخسف بي ذلك الموضع ، فتعجّبت منها وقلت : أنت حرّة لوجه الله ، فقالت : ساء ما صنعت ، كنت أخدمك فيكون لي أجران وأمّا الآن فقد ذهب أحدهما. (١)
ونقل عن بعضهنّ أنّها إذا جاءها النهار تقول : هذا يومي الذي أموتت فيه فما تطعم حتّى تمسي ، وإذا جاءها الليل تقول : هذه ليلتي التي أموت فيها فتصلّي حتّى تصبح ، فعليك بمطالعة أحوال هؤلاء حتّى ينبعث نشاطك على الجدّ والعبادة ، ولاتنظر إلى أهل عصرك فيضلّوك عن سبيل الله تعالى.
وأمّا المعاتبة فاعلم أنّ أعدى عدوّك نفسك الّتي بين جنبيك ، فهي الأمّارة بالسوء الميّالة إلى الشرّ الفرّارة عن الخير ، وقد أمرت بقودها بسلاسل القهر إلى عبادة ربّها ومنعها عن شهواتها ، فإن أهملتها شردت وجمحت وإن لازمتها بالتوبيخ والعتاب كانت لوّامة ، وقد حلف الله بها فيرجى أن تصير مطمئنّة داخلة في عباد الله فلا تغفلنّ ساعة عن عتابها وتذكيرها ولا تشتغل بوعظ غيرك أبداً مالم تعظ نفسك أوّلاً بتقرير جهلها وحمقها ، فإنّها تتعزّز أبداً بذكائها وفطنتها ويشتدّ أنفتها واستنكافها فتقول لها : ما أجهلك بنفعك وضرّك وخيرك وشرّك ، أما تدرين مابين يديك من الجنّة والنار ومصيرك إلى إحديهما ، فما لك تفرحين وتضحكين وأنت مطلوبة غداً ، ولعلّك تختطفين الآن أو غداً فالموت يأتي بغتة من غير مواطاة وتمهيد ، فمالك لا تستعدّين للموت الذي هو أقرب إليك من كلّ قريب.
قال تعالى : ( اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون * مايأتيهم من ذكر من ربّهم محدث الا استمعوه وهم يلعبون * لاهية قلوبهم ). (٢)
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ١٧٨.
٢ ـ الأنبياء : ١ ـ ٣.