والعجب ممّن يزعم أنّ السكوت عن المعاصي والرضا بها من مقامات الرضا مع أنّه تعالى نهى عباده عنها وذمّهم عليها وبعث أنبياءه ورسله لردعهم عنها ، وكيف يتصوّر الرضا بما يقطع بعدم رضاه تعالى بفعلها ، إذ المعصية ما لا يرضى الله سبحانه بفعلها فالرضا بها مناف لغاية الرضا ، مع أنه لو أمكن القول بصحّة الرضا بها لكونها بقضاء الله وقدره أمكن القول بصحّة فعلها أيضاً لذلك ، ويلزم منه إنكار كون المعصية معصية.
تذنيب
وأما طريق تحصيل هذا المقام المنيف فإنّما يتمّ بكمال المعرفة المستتبعة للمحبّة وتحصيل مرتبة اليقين بالتوحيد الفعلي ، وأنّه لامردّ لقضائه والكراهة لأفعاله تعالى تعجيل عقوبة من دون فائدة بخلاف الفائز بمقام الرضاء حيث إنّه دائماً في حال راحة وسرور وبهجة وحبور.
واعلم أنّ التسليم قريب من الرضا ، ويسمّى تفويضاً أيضاً ، بل هو أعلى مقاماته ، لأنّ العلاقة ملحوضة في الرضا أعني موافقة الأفعال لطبعه بخلاف التفويض حيث يلاحظ فيه قطع العلائق بالمرّة وتفويض الأمر إليه بالكليّة ، كذا قيل ، فتأمّل.
وبالجملة ؛ فهما مشتركان في كونهما من آثار المحبّة ، والمحبّ لايظهر البلاء في معرض الشكوى ، بل ينكره بقلبه أبداً حتّى قال السلف : من حسن الرضا أن لايقول هذا يوم حارّ ، وأنّ العيال تعب ومحنة ، وأنّ في العبادة ونحوها كلفة ومشقّة إذا كان على سبيل التشكّي ، أمّا إذا تعلّق به غرض سحيح فلا ينافيه ، أرضانا الله بما يحبّ ويرضى ، وجنّبنا عمّا لايحبّ ولايرضى.
فصل
التوكّل أعلى منازل السالكين وأعظم درجات الموحّدين الموقنين.
وقد ورد في مدحه من الكتاب والسنّة ما ورد :