شرف الإنس وهكذا ، وأنّ تقديم الكامل على الناقص محض العدل ، فالكمال والنقص يعرفان بالاضافة حصل لك الوثوق التامّ بأفعاله تعالى ومنه يحصل التوكّل فإنّ الموكل لغيره في خصومة لايعتمد على وكيله اعتماداً تامّاً يسكن إليه ويثق به الا بعد علمه بكون الوكيل عالماً عارفاً بمواقع التلبيس حتى لا يخفى عليه شيء ، وقادراً على إحقاق الحقّ وإفصاحه حتّى لايداهن ولايخاف ولا يستحيي ولا يجبن في إجراء الحقّ والتصريح به ، ولايكلّ لسانه في المعارضة ، ومشفقاً على موكّله معتنياً به حتى يهمّ بأمره ويسعى في الظفر على خصمه ، وكلّما ازداد علمه بحصول هذه الخصال فيه قوي وثوقه به ولم ينزعج قلبه إلى الإهتمام بالحيلة والتدبير لدفع ما يحذره من قصور وتفوّق الخصم عليه.
وهذا العلم له مراتب غير محصورة إلى أقصاه الذي لامرتبة فوقها كما في العلم الحاصل للولد بالنسبة إلى والده بمنتهى إشفاقه عليه وسعيه في جمع الحلال الحرام لأجله ، فإن ثبت في نفسك بكشف أو اعتقاد قوي جازم بأنّه لافاعل الا هو وأنّ له منتهى العلم والقدرة على كفاية العباد وغاية العناية واللطف بهم حصل الاتّكان منك عليه وترك الالتفات معه إلى نفسك فضلاً عن غيرك ، فكنت صادقاً في قولك لا إله الا الله وقولك لاحول ولاقوّة الا بالله.
تتميم
لما تبيّن لك أنّ التوكّل عبارة عن الحالة المترتّبة على العلم بالأمور المذكورة فاعلم أنّ لها درجات ثلاث (١) :
أوّلها : ما أشرنا إليه من كون حاله في الوثوق بكفالته عنه كوثوق الموكّل بالوكيل.
وثانيها : كون حاله مع الله فيه كالطفل مع أمّه حيث لايعرف غيرها في
__________________
١ ـ كذا ، والصحيح : ثلاث درجات أو درجات ثلاثاً.