نقصاً بالنظر إلى مافوقه قال : « وإنّه ليغان على قلبي حتّى أستغفر الله في كلّ يوم سبعين مرّة ». (١)
فإنّ مقامات أهل السلوك تصل إلى هذا المقدار بل تزيد في طرف البداية ، فإنّ هذه مقامات النبي في حال نبوتّه وللوصول إليها مقامات غير محصورة ، وقد عرفت أنّ حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين والاستغفار منها لازم للعارف بكونها نقصاً وسيّئة.
إنارة
لابدّ للسالك الشاكر من معرفة ما يحبّه الله عمّا يكرهه حتّى يمكنه الصرف في الأوّل دون الثاني ، ومدرك هذه المعرفة إما الشرع حيث كشف عن جميع ذلك وعبّر عن الأوّل بالواجبات والمستحبّات ، وعن الثاني بالمحرّمات والمكروهات ، فمعرفة ذلك موقوفة على معرفة الأحكام بأسرها وإلّأ لم يمكنه القيام بحقّ الشكر ، وإمّا العقل لتمكّنه من إدراك بعض وجوه الحكم في الموجودات ، إذ ما من شيء في عالم الوجود الا يترتّب على وجود حكم كثيرة تحتها مقاصد ومصالح محبوبة لله ، فمن استعمله على الوجه المؤدّي إلى المقاصد المطلوبة فقد شكر نعمته تعالى والا فقد كفربها ، وتلك الحكم إمّا جليّة كحكمة حصول الليل والنهار في وجود الشمس وحكمة انشقاق الأرض بأنواع النبات في وجود الغيم ونزول المطر والإبصار في العين والبطش في اليد وحصول الأولاد وبقاء النسل في آلات التناسل ونحوها ، أو خفيّة كحكم الكواكب السيّارة والثابتة واختصاص كلّ منها بوضع خاصّ وقدر معيّن وحكمة آحاد العروق والأعصاب والعضلات وما فيها من التجاويف والالتفات والدقّة والغلظ والانحراف وغيرها حيث لايعرفها كلّ أحد والعارف لايعرف منه الا اليسير من الحكم المتوسّطة التي يعرفها المتفكّرون في خلق السماوات والأرض وأكثر الحكم الدقيقة لايعرفها
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ١٧ ، مع اختلاف.