اليمين مثلاً أقوى من اليسار ، واستحقّ بذلك الفضيلة عليه فتفضيل الناقص عليه عدول عن الحكمة المقصودة ، بل لابدّ من تخصيصه بالأفعال الشريفة وصرف الأضعف إلى الأعمال الخسيسة ، وكذا استقبال القبلة بالبول كفران للنعمة في خلق الجهات ، إذ خلق الجهات متّسعة متعدّدة وشرّف بعضها بوضع بيته فيها ، فالعدل استقباله الشريفة كالصلاة والذكر والاغتسال والوضوء وأمثالها دون الخسيسة كقضاء الحاجة ، وكذا كسر الغصن من شجرة ظلم وكفر بنعمة اليد إذ لم يخلقها للعبث ، والشجر إذ خلقه بعروقه وساق إليه الماء وأعطاه قوّة الاغتذاء والانتماء ليبلغ منتهى نشوه فينتفع به عباده ، فكسره قبله لا على وجه الانتفاع مخالفة لمقصود الحكمة ، نعم إذا كان فيه غرض صحيح جاز إذ الشجر والحيوان جعلا فداء للانسان ، فإنّها جميعاً فانية ، فإفناء الأخسّ في بقاء الأشرف ولو مدّة ما أقرب إلى العدل من تضييعهما معاً.
ثمّ هذه الأفعال المتّصفة بالكفران قد يوجب نقصان القرب وانحطاط المنزلة ، وقد يوجب البعد بالمرّة ، ويعبّر عن الأوّل بالكراهة في لسان أهل الشرع ، والثاني بالحرمة ، ولكلّ منهما درجات مختلفة ، الا أنّها في لسان أهل القلوب متّصفة بالحضر مطلقاً ولا يسامحون في شيء منهما أبداً.
تفصيل
النعمة عبارة عن كلّ خير ولذّة وسعادة ، بل كلّ مطلوب ، وهو إمّا لذاته ويختصّ بالآخرة وهو النظر إلى وجه الله وسعادة لقائه وسائر لذّات الجنّة من البقاء الذي لافناء له ، والسرور الذي لاغمّ فيه ، والعلم الذي لا جهل فيه ، والغني الذي لا فقر بعده ، فإنّها لاتطلب لغاية مقصودة وراءها فهي النعمة الحقيقية واللذّة الواقعية. ولذا قال النبي صلىاللهعليهوآله : « لا عيش الا عيش الآخرة ». (١)
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ١٨٢.