فصل
قد تبيّن لك أنّ ما هو المصدر للآثار المتخالفة والمنشأ للأفعال المتبائنة بالارادة والاختيار من القوى الحاصلة للنفس الانسانية ثلاثة :
إحداها : قوّة النطق وآلتها في البدن الدماغ.
والثانية : الغضبيّة وآلتها في القلب.
والثالثة : الشهويّة وآلتها الكبد.
وسائر القوى حركاتها طبيعيّة ، فلا تكون منشأ لنقصان أو كمال.
وان ميل الناطقة إلى المعارف الحقّة ، والغضبيّة إلى الغضب والاقدام على الأهوال والترفّع على الناس ، والشهويّة إلى الالتذاذ بالمآكل والملابس والمناكح ، ويلزم من ذلك أن تكون أعداد فضائل النفس بحسب أعداد قواها ، لأنّ فضيلة كلّ قوّة اعتدالها في ماتطلبه عن طرفي الافراط والتفريط ، فلو اعتدلت الناطقة فيما تميل إليه من معرفة حقائق الموجودات مطلقاً بقدر الطاقة حصلت من ذلك فضيلة العلم ويتبعها الحكمة ، ولو اعتدلت الغضبية فيما تميل إليه بانقيادها للناطقة فيما تأمرها به وتنهاها عنه بحيث لم تضطرب النفس عند عظائم الأمور وشدائد الدهور وحصلت لها همّة عالية في تحصيل ما هو كمال لها ، ولو كان صعباً ، حصلت فضيلة الحلم ويتبعها الشجاعة ، ولو اعتدلت الشهوية بانقيادها للناطقة في أو امرها ونواهيها تظهور آثار الحرية والخلاص من عبودية المشتهيات البهيميّة في النفس حصلت فضيلة العفّة ويتبعها السخاء ، وكلّ من هذه الثلاث فضيلة مستقلّة برأسها ، ولها أنواع وآثار تخصّها.
ثم من حصول الثلاثة جميعاً وتسالم بعضها مع بعض وامتزاجها تحصل حالة متشابهة بها يتم كمال تلك الثلاثة وهي العدالة ، ولذا اتفق