تعالى : ( وما منّا الا له مقام معلوم ). (١)
ولذلك ليس بينهم تحاسد وتباغض ، فلكلّ منهم طاعة خاصّة معيّنة ، فالراكع منهم راكع أبداً والساجد كذلك لا اختلاف في أفعالهم ولا فتور ، وإذ تبيّن لك كثرة ما تحتاج إليه في الاغتذاء برغيف مثلاً فقس عليه سائر الغذاء وغيره من الافعال الظاهرة والباطنة ، ثم جملة صنائعه تعالى وأفعاله الواقعة في عالمي الجبروت والملكوت وعالم الملك والشهادة ، فإنّ أعداد الملائكة الموكّلين بها غير متناهية ، فظهر توقّف كلّ نعمة على نعم كثيرة غير متناهية إلى أن ينتهي إلى الله ، وأنّ من كفر بنعمة من نعم الله فقد كفر بجميعها لارتباط بعضها ببعض ارتباط بعض الأعضاء ببعض ، فلايبقى جماد ولا نبات ولا حيوان ولا ماء ولا هواء ولا ملك ولا فلك الا ويلعنه ، ولذا ورد أنّ الملائكة تلعن العصاة وتستغفر للعلماء (٢) ، بل يستغفر لهم كلّ شيء حتّى الحيتان في البحار ، فاعتبر بذلك واعلم أنّك لاتخرج عن عهدة شكر نعمة جزئية من نعمه تعالى ، كيف وفي كلّ نفس ينقبض ينبسط نعمتان ، إذ بانبساطه يخرج الدخان المحترق من القلب بحيث لو لم يخرج لهلكت ، وبانقباضه يجتمع روح الهواء ولو لم يدخل لهلكت ، واليوم والليلة أربع وعشرون ساعة ، وفي كلّ ساعة تتنفّس آلافاً ، فإذا اعتبرت ذلك عرفت أنّه يكون عليك في كلّ يوم وليلة آلاف ألوف نعمة في نفسك فضلاً عن أشياء أخر من أجزاء بدنك فضلاً عن أجزاء العالم.
تذنيب
المانع عن الشكر إمّا قصور المعرفة بكون النعم من الله بأسرها ، أو قصور الإحاطة لصنوفها وآحادها والجهل بأنّ الشكر صرف النعمة في المحكمة المقصودة منها وتوهّم أنّه بمجرّد اللسان ، أو الغفلة الناشئة عن غلبة
__________________
١ ـ الصافّات : ١٦٤.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٧ / ٢١٦.