فائدة
اختلفوا في أفضليّة كلّ من الشكر والصبر والظاهر عدم الجحان لعدم انفكاك أحدهما عن الآخر ، بل اتّحادهما في كثير من المواضع كما عرفت ، والصابر على المصائب لابدّ له من تصوّره للمنافع الواصلة إليه بسببها وحصول انزعاج له عن الدنيا وشوق إلى الآخرة فلا ينفكّ عن الشكر لأنّه يعرف هذه النعم من الله كما يعرف البلاء منه ، ويفرح بها ويعمل بمقتضى فرحه من الطاعة ونحوها ، وفي النعمة المطلقة كالسعادة والعلم وسائر الفضائل كما أنّ حصولها وتصوّر كونها نعمة مستلزم للشكر فكذا إبقاؤها لاينفكّ عن المقاومة مع الهوى ومنع النفس عن الميل إليه وعن الكفران بالعصيان ، هو الصبر فشكر العينين بالنظر إلى عجائب صنع الله يستلزم الصبر عن الغفلة والنوم ونحوها.
هذا ، المعيار الكلي في أفضليّة بعض الأعمال عن بعض كونها أشدّ تأثيراً في إصلاح النفس وصفيتها وتطهيرها عن شوائب الدنيا وأشد إعداداً لمعرفة الله وانكشاف الحقائق لديه ، فاللازم على العاقل الموازنة بين كلّ درجتين من درجات الصبر والشكر فيما ذكر والترجيح بمقتضاه وهي مختلفة باختلاف أقسام النعم وأقسام البلاء واختلاف مراتب المعرفة والفرح المأخوذين في حقيقة الشكر واختلاف الطاعة المأتي بها في كلّ منهما صعوبة وسهولة ، فربّما كان بعض درجات الصبر أشدّ تنويراً وأكثر إصلاحاً (١) للقلب من بعض درجات الشكر وبالعكس ، فإنّ الأعمال الأحوال المندرجة تحتهما كثيرة ، فممّا يندرج منها تحت الشكر حياء العبد من تتابع نعم الله عليه ومعرفته بتقصيره عن الشكر واعتذاره من قلّة الشكر واعترافه بكون النعم ابتداء منه تعالى من غير استحقاق لها ، وعلمه بأنّ الشكر أيضاً من نعمه ومواهبه وحسن تواضعه بالنعم تذلله وقلّة اعتراضه وحسن أدبه بين
__________________
١ ـ في « ب » و « ج » : اختلاجاً.