وهي وإن كانت من حقوق الله اللازمة مراعاتها في تحقّق معنى الفضيلة الرابعة أي العدالة كسائر ما أسلفناه في الباب السابق الا أنّها لمّا كانت أصلاً كبيراً مشتملاً على جزئيات كثيرة أفردناها عن أخواتها ، ولمّا كانت من أعظم شروطها التي تتوقّف صحّتها عليها ظاهراً وباطناً النيّة ، ومن شرط النيّة الاخلاص وهي وإن تكرّر ذكرها في الكتب الفقهيّة الا انّ لها دقائق وشعباً قلما فصّلت فيها ، التزمنا القول في حقيقتها وشعبها ودقائقها وشروطها تفصيلاً لايخلو عن إجمال مقدّمة عليها ، ثم نذكر كلاً من العبادات التي هي صنوف الطاعة المفسّرة بالتخضيع والخشوع والتمجيد لله الملك المجيد في عدّة فصول ، وهو المؤمّل في بلوغ كلّ مأمول.
مقدّمة
النيّة عبارة عن انبعاث النفس إلى ماتراه موافقاً لغرضها حالاً ومآلاً ويرادفها القصد والرادة وضدّها الغفلة أي فتورها عن التوجّه إلى مافيه غرضها ، وهي كسائر ماتقدّم واسطة بين علم هو مبدؤها وعمل هو ثمرتها ، إذ مالم يعلم أمراً يقصده ، وما لم يقصد لم يفعل ، فكلّ فعل يصدر عن الفاعل المختار لايتمّ الا بعلم وشوق وإرادة وقدرة ، وذلك لموافقة بعض الأمور لغرضه ومخالفة بعضها له فاحتاج إلى جلب الموافق ودفع المخالف الموقوفين على إدركهما إذ ما لم يعرف ذلك لم يعقل طلبه له أو هربه عنه وهو العلم ، وعلى الميل والرغبة والشهوة الباعثة عليه وهو الشوق لعدم الاكتفاء في الطلب والهرب بمجرّد الإدراك من دون شوق ، وعلى القصد والتوجّه إليه وهو النيّة ، إذ كم من مدرك للذّة الطعام شائق إليه راغب فيه لصدق شهوته غير مريد له لعذر من الأعذار المانعة له عنه ، وعلى القدرة المحرّكة للأعضاء إلى جلب الملائم ودفع المضارّ ، وبها يتمّ الفعل ، فهي كالجزء