إعانته بسلاح آخر ، والعلم أيضاً سلاح يقاتل به الشيطان فمن لايزال مؤثراً لدنياه على دينه وهو عاجز عن الميل إلى الآخرة لضعف يقينه ، فكيف يجوز إمداده بنوع علم يتمكّن معه من الوصول إلى شهواته ، فإذن المعصية لاتنقلب طاعة بالنيّة وإن تضاعف وزرها بانضمام مقاصد خبيثة إليها كما أشرنا إليها وعظم وبالها كما أشرنا إليه في باب التوبة.
وأمّا الطاعة فهي مرتبطة بالنيّة في أصل صحّتها بأن ينوي بها عبادة الله لاغير فلو نوى الرياء صارت معصية كما مرّ ، وفي زيادة فضلها أيضاً بكثرة النيّات الحسنة فيكون له بكلّ نيّة ثواب كالقعود في المسجد الذي هو طاعة ويكثر ثوابه بكثرة النيّات الحسنة كاعتقاد أنّه بيت الله فيقصد به زيارة مولاه رجاء لما عوده الرسول وانتظار الصلاة بعد أخرى والترهّب بكفّ السمع والبرصر سائر الأعضاء ، فإنّ الاعتكاف في المسجد نوع من الصوم الذي هو الكفّ ، ولذا ورد : « رهبانية أمّتي القعود في المساجد » (١) وعكوف الهمّ على الله تعالى ولزوم السرّ للفكر في الآخرة ورفع الشواغل عن نفسه بالاعتزال في المسجد والتجرّد لذكر الله تعالى أو استماعه أو التذكّر به لما روي : « أنّ من فعل ذلك كان كالمجاهد في سبيل الله » (٢) والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، إذ لا يخلو المسجد عن تارك معروف أو الآتي بمنكر ، أو استفادة أخ في الله لكون السمجد معشر (٣) أهل الدين المحبّين لله وفي الله ، وترك المعاصي حياء من الله وخوفاً من هتك حرمته ، وقس عليه سائر الطاعات.
وأمّا المباحات فما من شيء منها إلا ويحتمل نيّة أو نيّات يصير بها من محاسن القربات وما بها يصير من المساوي والسيّئات ، فما أخسر من ذهل عنها وتعاطاها تعاطي البهائم المهملة عن شهوة وغفلة ، فلا ينبغي استحقار
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ١١٧.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ١١٧.
٣ ـ كذا ، وفي المحجّة البيضاء : (٨ / ١١٧) : معشّش.