وبالجملة ؛ فالنيّات متفاوتة الدرجات ومن غلب على قلبه واحدة منها لم يتيسّر له العدول عنها ، ومعرفة هذه الحقائق تورث أعمالاً يستنكرها أكثر الخلائق من الظاهريين الذين لم يتفطّنوا لهذه الدقائق ، فمن حضرت له نيّة في مباح ولم تحضر له في فضيلة ، فالمباح أولى وانتقل (١) إلى الفضيلة كما انتقلت إلى النقيصة ، فالأكل والشرب والنوم بنيّة التقوّي للعبادة في المستقبل مع عدم انبعاثها نحو الصوم والصلاة هو الأفضل.
تلخيص
قد علم مما ذكر ، أنّ النيّة روح الأعمال ففي الحقيقة يترتّب الجزاء عليها.
قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : « إنّما الأعمال بالنيّات ، وإنّما لكلّ امرء ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ماهاجر إليه ». (٢)
وعن النبي صلىاللهعليهوآله : « أن العبد ليعمل أعمالاً حسنة فتصعد بها الملائكة في صحف مختمة فتلقى بين يدي الله تعالى فيقول : ألقوا هذه فإنّه لم يرد بها وجهي ، ثم ينادي الملائكة اكتبوا له كذا وكذا ، فيقولون : ربّنا إنّه لم يعمل شيئاً من ذلك ، فيقول : إنّه نواه ، إنّه نواه ». (٣)
وقال الصادق عليهالسلام : « إنّما خلّد أهل النار في النار لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لأنّ نيّاتهم كانت في الدنيا أن ولو بقوا فيها أن يطيعوا الله أبداً فبالنيّات خلّد هؤلاء وهؤلاء ، ثم تلا قوله تعالى : ( قل كلّ يعمل على شاكلته ) (٤) أي على نيّته ». (٥)
__________________
١ ـ أي انتقل المباح في حقّه إلى الفضيلة ، كما انتقلت الفضيلة إلى النّقيصة.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ١٠٣.
٣ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ١٠٣.
٤ ـ الإسرار : ٨٤.
٥ ـ الكافي : ٢ / ٨٥ ، كتاب الإيمان والكفر ، باب النيّة ، ح ٥.