حيث تعلّق الأوّل بالثاني وتوقّفه عليه يكون من أقسام الحكمة العمليّة ، ومن حيث تعلق الثاني بالأوّل وتوقّفه عليه كان العلم الباحث عن ماله مدخل في التصرّف في أمور البدن من أقسام مطلق الحكمة.
وأمّا ما قيل من أنّ المراد من الحكمة المعدودة في الفضائل هي الحكمة العمليّة لا العلم بأعيان الموجودات ففيه أولّا انه لايبقى حينئذ فرق بينها وبين العدالة فيلزم جعل الشيء قسيماً لنفسه ، وثانياً أن الاشكال غير مندفع بعد ، فإنّ الحكمة من أفراد تهذيب الأخلاق وهو من أفراد الحكمة العمليّة ، وثالثا أنه خلاف ما صرّح به القوم قاطبة في تفسير الحكمة ، كما لايخفى على المتتبّع ، فهو توجيه بما لايرضى به المعتذر له.
تنبيه
قد صرّح القوم بأنّ أرباب هذه الفضال لا يستحقّون المدح عقلاً مالم يتعدّ فضائلهم إلى الغير ، لأنها إذا تعدّت إلى الناس صارت منشأ لرجائهم وخوفهم ، فيحكم العقل حينئذ بوجوب المدح جلباً للنفع ، أو دفعاً للضرر.
فصل
كلّ فضيلة بإزائها رذيلة هي ضدّها.
ولما كانت أصول الفضائل أربعة ، فلعلّك في باديء الرأي تحكم بأنّ أجناس الرذائل كذلك ، وهي الجهل الجبن والشره والجور ، وليس كذلك.
فإن الفضيلة اعتدال القوّة كونها على الوسط من الافراط والتفريط ، فهي كنقطة معيّنة على المركز متى تعدّيت عنها صارت رذيلة ، والثبات عليها كالحركة على الخطّ المستقيم الذي هو أقصر الخطوط الواصلة بين نقطتي المركز والمحيط وهو واحد ، وارتكاب الرذيلة كالانحراف عنه والخطوط المنحنية غير متناهية لعدم تناهي أطراف النقطة ، ولذا غلبت دواعي الشر على دواعي الخير.