ويطول الشغل في دفعها ويجمعها حبّ الدنيا وهو رأس كلّ خطيئة ، فمن انطنوى باطنه عليه ومال إلى شيء منها لا ليتزوّد بها إلى الآخرة فلا يطمعنّ في أن يصفو له لذّة المناجاة ، فهمّة الرجل مع قرّة عينه ، فهذا هو الدواء ولمرارته استبشعته الطباع وصار الداء عضالاً مزمناً.
هذا كلّه في الخواطر الناشئة عن مشاغل الدنيا وعلائقها.
وأمّا الوساوس الباطلة الحاصلة من دون اختيار للعبد في خطورها مع عدم تعلّقها بعمل دنيوي فالأمر فيها أصعب وإن كان لقطع حبّ الدنيا وقلع شهواتها عن القلب مدخل عظيم فيها أيضاً ، وقد تقدّم التفصيل في ذلك في بحث الوساوس.
المطلب الرابع
في كلّ من الشروط والأركان والأفعال أسرار وإشارات ينبغي لسالك الآخرة أن لايغفل عنها ، فإذا سمعت الأذان تنبّه لنداء يوم القيامة وهوله وتشمّر للاجابة والمسارعة ، فإنّ المسارعين إلى هذا النداء ينادون بالطلف هناك ، واعرض قلبك عليه ، فإن وجدته فرحاً راغباً إلى المسارعة فأبشر بالنداء بالبشرى والفوز يوم الجزاء ، كما قال سيّد الرسل صلىاللهعليهوآله : « أرحنا يا بلال » (١) إذ كانت قرّة عينه وسروره فيها.
واعتبر بفصوله كيف افتتحت بالله واختتمت به ، فإنّه الأوّل والآخر والظاهر والباطن ، ووطّن قلبك بالتعظيم عند سماع التكبير واستحقر الدنيا بما فيها حتّى لاتكون كاذباً فيه ، واسلب عن خاطرك كلّ معبود سواه بالتهليل ، وأحضر النبيّ صلىاللهعليهوآله وتأدّب بين يديه واشهد له بالرسالة مخلصاً وصلّ عليه وآله أداء لبعض حقوقهم وحرّك نفسك ووسّع قلبك وقالبك عند الدعاء إلى الصلاة وما يوجب الفلاح وما هو خير الأعمال وجدّد عهدك بالتكبير واختمه به كما بدأت واجعل بدأك منه وعودك إليه وقوامك به
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ١ / ٣٧٧.