يتلو آيات الرحمة والرجاء وغلب عليه الاستبشار ظهرت له الجنّة فشاهدها عياناً كأنّه يراها ، وإن غلب عليه الخوف كوشف له النار حتّى كأنّه يرى أنواع عذابها ، فإنّ كلامه تعالى مشتمل على السهل اللطيف والشديد العسوف والمرجوّ والمخوف ، فبحسب مشاهدة الكلمات والصفات يتقلّب القلب في الحالات وبحسب كلّ حالة يستعدّ لمكاشفة مناسبة لتلك الحالة ، إذ يمتنع مع اختلاف الكلام اتّحاد حال المستمع ، إذ فيه كلام راض وكلام غضبان وكلام منعم وكلام منتقم وهكذا » (١) والله المستعان.
فصل
في الصدقة والصوم
قد تقدّم في باب السخاء بعض الأسرار والآداب الباطنة المتعلّقة بالصدقات ، وفي باب الفقر والغنى ما يتعلّق بالسائل والفقير من الآداب.
وأمّا الصوم فأجره عظيم وثوابه جسيم ، والآيات والأخبار الدالة عليه أكثر من أن تحصى ، ومن آدابه غضّ البصر عمّا لايحلّ إليه النظر أو يكره أو يلهيه عن ذكر الله واللسان عن آفاته المتقدّمة ، والسمع عن كلّ ما يحرم أو يكره استماعه ، والبطن عن المحرّمات والشبهات وسائر الجوارح عن كافّة المكاره.
وقد ورد في اشتراط جميع ذلك أخبار كثيرة ، وأن لايستكثر من الحلال عند الإفطار بحيث يمتليء ، إذ ما من مباح أبغض إلى الله من بطن مملوّ كما تقدّم ، كيف والسرّ في شرع الصوم قهر الشهوة وكسرها لتقوى النفس به على الورع والتقوى والارتقاء من حضيض النفس البهيمية إلى ذروة التشبّه بالملائكة المقدّسين وماجرت به عادة الناس من الازدياد في ألوان
__________________
١ ـ القائل هو أبو حامد كما في المحجّة البيضاء : ٢ / ٢٤٨ ـ ٢٤٩ ، وما بين المعقوفتين ساقط من النسخ أُثبتناه من المصدر.