فصل
الحبّ عبارة عن ميل الطبع إلى الملائم ، وتوضيحه : أنّ الحبّ لايتصوّر بدون الإدراك كما لا يتّصف به الجماد ولا يحبّ الانسان من لايعرفه.
والمدرك ينقسم إلى ما يوافق طبع المدرك فيلتذّ منه وما يخالفه فيتألّم منه وما لا يتأثّر منه بلذّة ولا ألم.
ولابدّ لمدرك الأوّل من ميل إليه يسمّى حبّاً. والثاني من نفرة عنه تسمّى كراهة وبغضاً.
والمدرك إمّا حسّ ظاهر كما في الصور الجميلة والألحان الحسنة والروائح الطيّبة والمطاعم النفسية والملموسات الليّنة ، أو باطن كالصور الملائمة الخيالية والمعاني الملائمة الجزئية ، أو عقل كالمعاني الكلّية والذوات النورية.
وقد أشرنا سابقاً إلى أنّ العقل أشدّ إدراكاً ونفوذاً في حقائق الأشياء ومدركاته أشرف وأبهى وأدوم وأبقى ، فلذّته أتّم وأبلغ.
قال النبي صلىاللهعليهوآله : « حبّب إليّ من دنياكم ثلاث : النساء والطيب وقرّة عيني في الصلاة » (١) لكونها لذّة عقيلة ، والأوليان لذّتان حسّيتان.
ولمّا عرفت أنّ هذه القوى بمنزلة الخدّام للنفس وهي السلطان المدبّر تعرض ما تدركه إليها فهي المدركة الملتذّة والمتألّمه حقيقة.
تقسيم
أحدها : حبّ الانسان وجوده وبقاءه وكماله ، وهو أقواها ، لأنّ الحبّ بقدر الإدراك والملاءمة ، والانسان أبصر بنفسه وأعرف ولا ملائم له أقوى من نفسه ، وكيف لا وثمرة الحبّ حصول الاتّحاد بين المحبّ والمحبوب ، وهو حاصل هنا حقيقة ، فالوجود ودوامه محبوب له كما أنّ العدم مبغوض له ،
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٣٣ / ٦٨.