بضبط أنواعها ولوازمها وتمييز أصولها وفروعها ، ولا يليق بهذا الكتاب استقصاء الغاية في البحث عن جميعها.
فصل
قالوا كثيراً ما تظهر آثار أصحاب الفضائل في أرباب الرذائل فيما يصدر عنهم من الأفعال والأعمال ، فيشتبه الأمر على ضعفاء العقول من الرجل ، فيمدحون بصنوف المدائح والمناقب مع انغمارهم في المساوي والمثالب.
وكم من سمّي ليس مثل سميّه |
|
وإن كان يدعى باسنه فيجيب |
أمّا الحكمة فربّما يتلقّف مسائلها تقليداً على وجه يتعجّب المستمع من احسن التقرير واليبان مع خلوّها عن برد اليقين ونور الايقان ، فمثل حاملها كمثل الأطفال في التشبّه بالرجال أو كبعض الحيوانات في المحاكاة لما يراه أو يسمعه من سائر الحيوانات.
وأمّا العفّة فربّما يترك جنس من الشهوات الرديّة لتحصيل ما هو أتمّ أو أدوم من اللذّات الحسّية ، أو لخمود القوّة وقصورها وضعف البنية وفتورها ، أو عدم التمكّن من أسبابها ، أو عدم القدرة على الدخول من أبوابها ، أو لشبعه وتملّيه من كثرة تعاطيه والافراط فيه ، أو للحذر عن الأوجاع والأسقام ، أو اطلاع الخواص وتوبيخ العوام ، أو لعدم إدراك تلك اللذات ، كما هو شأن أهل الجبال والفلوات والصحاري ، مع أنّ فضيلة العفّة هي الحرية واستخلاص النفس عن أسر العبوديّة ، وانقيادها للقوّة العقليّة مع الاتيان بالقدر اللازم والمصلحة الضروريّة ، ويكون قصده في الفعل والترك مجرّد كونها سعادة حقيقية ، والتشبّه بالمجرّدات المنزّهة عن الشهوات الحسيّة.
وأمّا الشجاعة فربما يقدم بعض الرجال على الشدائد الصعبة وعظائم الأهوال ولايبالي عن الضرب والأسر والقتال مع الأبطال لتحصيل الجاه أو