وكمّاً الا على سبيل الإجمال والإبهام بتحصيل اليقين ـ بالمعنى الثاني الذي يستولي على القلب بالأمر والنهي دون مجرّد الاعتقاد الثابت الجازم ، فإنّه لايترتّب عليه شيء ـ بوجوده ووجوبه ووحدانيته ذاتاً وصفة وفعلاً ، وعظمته وجلاله وقدرته وحكمته واتّصافه بأشرف ما يمكن أن يتّصف به.
فأصل هذه العقائد ممّا يشترك فيه عامّة المؤمنين ، والانكشاف عن حقائقها بالكنه متعذّر لأشرف المخلوقات ، وإنما ينكشف بالرياضات والمجاهدات القدر الممكن في حقّ الممكن ما يترتّب عليه تلك الأنوار المتناهية بقدر السعي والاجتهاد والقابلية والاستعداد الحاصلة في دار الدنيا ، فهذا مايمكن أن يفهم من الأصل والفرع ، والله العالم.
تذنيب
من أنكر المحبّة يلزمه إنكار الشوق أيضاً ، لأنّه من فروعه وثمراته ، وقد عرفت ما يدلّ على ثبوته عقلاً ، والشواهد النقلية الدالّة عليه أيضاً أكثر من أن تحصى.
ففي الدعاء النبوي صلىاللهعليهوآله : « اللّهمّ إنّي أسألك الرضا بعد القضاء ، وبرد العيش بعد الموت ، ولذّة النظر إلى وجهط الكريم وشوقاً إلى لقائك ». (١)
وفي أخبار داود عليهالسلام : « أنّي خلقت قلوب المشتاقين من نوري ونعّمتها بجلالي » (٢).
وفيها : « يا داود! إلى كم تذكر الجنّة ولاتسألني الشوق إليّ؟ قال : ياربّ من المشتاقون إليك؟ قال : إنّ المشتاقين إليّ الذين صفيّتهم عن كلّ كدر ـ إلى أن قال ـ : وإنّ قلوبهم لتضيء في سمائي لملائكتي ، كما تضيء الشمس لأهل الأرض. يا داود! إنّي خلقت قلوب المشتاقين من رضواني ونعّمتها بنور وجهي واتّخذتهم لنفسي محدّثين وجعلت أبدانهم موضع
__________________
١ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ٥٧ ـ ٥٨.
٢ ـ المحجّة البيضاء : ٨ / ٥٨.