الأغذية المعتدلة ، والاحتراز عمّا ينافيه ، فكذا ينبغي لصاحب الأخلاق المعتدلة حفظ اعتدالها باستعمال ملائماتها ومقتضياتها والتجنّب التامّ عن منافياتها ، فإنّ الخير والشرّ متعاندان ، ولكلّ منهما جنود وأعوان ، فمن وفق لتحصيل الأوّل فعمدة مايوجب حفظه تقويته بما يلائمه ويقتضي بقاءه ، والاحتراز عمّا يوجب زواله وفناءه بالمواظبة على مصاحبة من يماثله في اقتناء فضائل العلم والعمل ، أو من هو أعلى منه في ذلك وأكمل ، والتأسّي به في أخلاقه وآرائه والاقتداء به في سلوكه مع خالقه وشركائه ، والاجتناب عن مجالسة من يصرف عمره في اقتناء الشهوات الحسيّة ونيل اللذّات البهيميّة من اولي النفوس الخسيسة وذوي الأخلاق الخبيثة والاحتراز عن مخالطتهم ومجالستهم وموادّتهم ومصادقتهم واستماع محاوراتهم ومشاهدة سكناتهم وحركاتهم ، فإنّ سهام مكائد الشياطين الإنسيّة وصنوف حيلهم ومخائلهم في تحسين القبائح المحاسن أسرع وأنفذ في النفس من سائر آلات الشرّ ، وتسلّطهم على قهر العاقلة أقوى من تسلّط الشياطين الاخر.
عن المرء لاتسأل وسل عن قرينه |
|
فكلّ قرين بالمقارن يقتدي |
مع أنّ الصحبة مؤثّرة بذاتها ، وكلّ شيء يميل إلى ما يلائمه ويشتاق إلى ما يجانسه.
وقد عرفت أنّ أعوان الشر أكثر ، ودواعيه أوفر ، وجنوده أغلب ، وكسر صولته ودفع شوكته أصعب ، مع أنّ الطبيعة به أوفق فهو بصرف الهمّة نحو قمع بنيانه وإزالة سلطانه ولو بمعين خارجي أليق ، ولا كذلك الخير لقلّة جنوده وأعوانه وصعوبة مسلكه ومخالفته لمقتضى الطبيعة ، فهو بالتقوية والاستمداد بممدّ خارجي أحرى وأحقّ ، ولذا حفّت الجنّة بالمكاره والنار بالشهوات.
فصل
ثم أنّ إبقاء أحد الضدّين كما يمكن بتقويته والسعي في الاتيان بملائماته