لابدّ في طبّ الأرواح من التأسّي بطبّ الأجسام في معرفة حقيقة المرض أولّاً ، ثمّ علاماته ، ثمّ معالجاته ، فهنا فصول :
فصل
الأمراض النفسانيّة هي انحرافات الأخلاق عن الاعتدال ، وإذ قد عرفت أنّ القوى الباعثة على الفعل والترك بالاختيار والارادة ثلاثة : قوّة التمييز والدفع والجذب ، فانحرافها إمّا عن خلل في الكمّية بالزيادة أو النقيصة ، أو الكيفيّة بالرداءة ، فأمراض كلّ منهما إنّما يتصوّر في ثلاثة أقسام :
أحدها : الزيادة عن الأعتدال ، كالجربزة والفسفسطة في المميّزة ، والغضب في غير محلّه في الدفع ، والحرص على المشتهيات في الجذب.
وثانيها : النقصان عنه ، كالبلاهة في الاولى ، والجبن في الثانية ، والخمود في الثالثة.
وثالثها : رداءة الكيفيّة ، كالشوق إلى الكهانة والقيافة والشعبدة لتحصيل الشهوات الدنيّة ، أو تحصيل السفسطة والجدل وغيرهما ممّا لايثمر يقيناً في اليقينيّات في الاولى ، والغيظ على الجمادات والبهائم في الثانية ، وأكل الطين ومباشرة الذكور في الثالثة : ولما كانت الفضائل أربعة فبسائط الرذائل اثناعشر ، ويحصل من تركيبها ما لايتناهى ، وبعض هذه الأمراض أشدّ إهلاكاً وأصعب علاجاً ، كالجهل المركّب ، والعشق ، والحسد وغيرها ، ممّا سنذكر إن شاء الله تعالى.
فصل
الانحراف المذكور إمّا طبيعيّ بحسب الفطرة ، أو عاديّ من مزاولة الأعمال الخبيثة ، أو عرضيّ من الأمراض الجسمانية ، فإنّ للنفس ارتباطاً