قد أشرنا إلى أنّ العلم بالفضيلة ومحاسنها أعون شيء على إزالة ضدّها ، فإنّ تقوية أحد الضدّين يوجب ضعف الآخر ، كما أنّ ضعف الآخر يستلزم تقويته ، وأيضاً فإنّ التخلّي عن الرذائل كما أنه مأمور به لقبحها وايجابها للهلاكة ، فكذا التحلي بالفضائل مرغوب فيه لحسنها واستلزامها السعادة ، بل ربّما كان الثاني أهمّ وأشرف ، وإن كان متأخرّاً عن الأوّل في الوجود ، فإنّ قبح الرذيلة والمنع عن التّصاف بها ليس غالباً الا لقبح لوازمها وفساد آثارها المترتّبة عليها ، وحسن الفضيلة لذاتها وإن ترتّبت عليها الآثار الحسنة أيضاً الا أنّ الفرق بينهما بحسب التعقّل والاعتبار ، لعدم انفكاك أحدهما عن الآخر في الخارج ، ولذا عدّ كلّ منهما علاجاً للآخر ، ولأجل تأخّرها في الوجود عنها ناسب ذكرها عقيب ما يقابلها من الرذائل مع بيان ماهيّتها وما يكون باعثاً لتحصيلها مع الحثّ عليها حتّى يكون معيناً للطالب عليه ومحرّكاً له إليه ، حيث إنّها المطلوب الحقيقي ، وبها يستعان على معالجة تلك الرذائل أيضاً ، فهنا مقامان :